الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ } * { إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيْفِ } * { فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ } * { ٱلَّذِيۤ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ }

{ لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ * إِيلاَفِهِمْ }.

اختلفت القرّاء فيها فقرأ عبد اللّه بن عامر (لألاف) مهموزاً مختلساً بلا ياء، وقرأ أبو جعفر (ايلاف) بغير همز وإنما ذهب إلى طلب الخفّة (لايلاف) بالياء مهموزة مشبعة، وأما قولهم: (إيلاف) فروى العمري عن أبي جعفر والبلخي عن ابن كثير (إلفهمْ) ساكنة اللام بغير ياء وتصديق هذه القراءة ما أخبرنا الحسين بن فنجويه قال: حدّثنا ابن خنيس قال: حدّثنا أبو خديجة أحمد ابن داود قال: حدّثنا محمد بن حميد قال: حدّثنا مهران عن سفيان بن ليث عن شمر بن حوشب عن أسماء قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم [يقرأ]: " إلفهم رحلة الشتاء والصيف ".

وروى الفضل بن شاذان بإسناده عن أبي جعفر، والوليد عن أهل الشام (إلافهم) مهموزة مختلسة بلا ياء، وروى محمد بن حبيب الحموي عن أبي يوسف الأعشى عن أبي بكر عن عاصم (إلأفْهم) بهمزتين الأُولى مكسورة والثانية ساكنة الباقون (إيلافهم).

وأخبرني سعيد بن المعافى، أخبرهم عن محمد بن جرير قال: حدّثنا أبو كرنب قال: حدّثنا وكيع عن أبي مكّي عن عكرمة أنه كان يقرأ (إليالف قريش الفهم).

وعدّ بعضهم السورتين واحدة منهم أُبيّ بن كعب ولا فصل بينهما في مصحفه.

وقال سفيان بن عيينة: كان لنا امام لا يفصل بينهما ويقرأهما معاً، وقال عمرو بن ميمون الاودي صلّيت المغرب خلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقرأ في الأُولى والتين والزيتون، وفي الثانية ألم تّر ولإيلاف قريش.

واختلفوا في العلّة الجالبة لهذه اللام فقال الفرّاء: هي متّصلة بالسورة الأُولى وذلك أنه [تعالى] ذكّر أهل مكّة عظيم نعمته عليهم في ما صنع بالحبشة، ثم قال: { لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ } فعلنا ذلك بأصحاب الفيل نعمةً منّا على قريش أي نعمتنا عليهم في رحلتهم الشتاء والصيف، فكأنّه قال: نعمةٌ إلى نعمة فتكون اللام بمعنى (إلى).

وقال الرازي والأخفش: هي لام التعجب يقول: عجبوا لإيلاف قريش رحلة الشتاء والصيف، وتركهم عبادة ربّ هذا البيت، ثم أمرهم بعبادته.

وهذا كما يقول في الكلام: لزيد وإكرامنا إيّاه، على وجه التعجب أي: أعجبُ لذلك، والعرب إذا جاءت بهذه اللام اكتفوا بها دليلا على التعجّب لإظهار الفعل فيه كقول الشاعر:
أغرَّكَ أن قالوا لقرة شاعرٌ   افياك أباه من عريف وشاعرٌ
أي أعجبوا لقرة شاعراً.

وقيل هي لام (كي) مجازهافَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ } ليؤلف قريشاً، فكان هلاك أصحاب الفيل سبباً لبقاء إيلاف قريش، ونظام حالهم واقوام ما لهم، وقال الزجّاج: هي مردودة إلى ما بعدها، تقديرهُ: فليعبدوا رب هذا البيت لإيلاف رحلة الشتاء والصيف.

وقريش هم ولد النضر بن كنانة، فمن وَلَده النضر فهو قرشي، ومن لم يلده النضر فليس بقرشي.

السابقالتالي
2 3