الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلْهَاكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ } * { حَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ } * { كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } * { ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } * { كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ ٱلْيَقِينِ } * { لَتَرَوُنَّ ٱلْجَحِيمَ } * { ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ ٱلْيَقِينِ } * { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ }

{ أَلْهَاكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ } يقول: شغلتكم المباهاة والمفاخرة بكثرة المال والعدد عن طاعة ربّكم وما ينجيكم من سخطه عليكم { حَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ } أي مُتُّم فدفنتم فيها.

قال قتادة: نزلت في اليهود قالوا: نحن أكثر من بني فلان، وبنو فلان أكثر من بني فلان، ألهاهم ذلك حتى ماتوا ضُلاّلا. وقال ابن بريدة: نزلت في فخذ من الأنصار تفاخروا. مقاتل والكلبي: نزلت في حيّين من قريش: بني عبد مناف وبني قصي، وبني سهم بن عمرو بن هصيص ابن كعب، كان بينهم لحاء فتعادّوا السادة والأشراف أيّهم أكثر فقال بنو عبد مناف: نحن أكثر سيّداً وأعزّ عزيزاً وأعظم نفراً وأكثر عدداً.

وقال بنو سهم مثل ذلك فكثرهم بنو عبد مناف ثم قالوا: نعدّ موتانا حتى زاروا القبور فعدّوهم، وقالوا: هذا قبرُ فلان وهذا قبرُ فلان، فكثرهم بنو سهم بثلاثة أبيات؛ لأنهم كانوا أكثر عدداً في الجاهلية فأنزل اللّه سبحانه هذه الآية.

أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن أحمد بن جعفر، وأبو بكر أحمد بن الحسن بن أحمد الحبربان قالا: أخبرنا أبو محمد حاجب بن أحمد بن [سفيان] قال: حدّثنا عبد الرحمن بن مسيّب قال: حدّثنا النضر بن شميل قال: أخبرنا شعبة عن قتادة عن مطرف بن عبد اللّه عن النخير عن أبيه قال: انتهيت إلى رسول اللّه (عليه السلام) وهو يقرأ هذه الآية: { أَلْهَاكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ } قال: " يقول ابن آدم: مالي مالي، وهل لك إلاّ ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدّقت فأمضيت ".

وروى زر بن حبيش عن علي بن أبي طالب قال: ما زلنا نشكّ في عذاب القبر حتى نزلت { أَلْهَاكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ } إلى { كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } يعني في القبر.

{ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } وعيد لهم { ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } والتكرير على التأكيد، وقال الضحّاك: { كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } يعني الكفّار { ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } يعني المؤمنين، وكذلك كان يقرأها: الأُولى بالتاء والثانية بالياء ثم { كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ ٱلْيَقِينِ } أي علماً يقيناً فأضاف العلم إلى اليقين لقوله سبحانه:إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ حَقُّ ٱلْيَقِينِ } [الواقعة: 95] قال قتادة: كنّا نحدّث أن علم اليقين أن يعلم أن اللّه باعثه بعد الموت.

{ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ ٱلْيَقِينِ } يصلح أن يكون في معنى المضي جواباً ل (لو)، تقديره: لو تعلمون العلم اليقين لرأيتم الجحيم بقلوبكم، ثم رأيتموها بالعين اليقين.

وقيل: معناه لو تعلمون علم اليقين لشغلكم عن التكاثر والتفاخر، ثم استأنف { لَتَرَوُنَّ ٱلْجَحِيمَ } على نيّة القَسَم، وإلى هذا ذهب مقاتل، وقيل: معناه: لو علمتم يقيناً أنكم ترون النار لشغلكم ذلك عما أنتم فيه.

وقيل: ذكر (كلاّ) ثلاث مرّات أرادَ: تعلمون عند النزوع، وتعلمون في القبر، وتعلمون في القيامة، ثم ذكر في الثالثة علم اليقين؛ لأنّه صار عياناً ما كان مُغيّباً.

السابقالتالي
2 3 4 5 6