الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَآ إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَٱشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } * { قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا فَٱسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّىٰ إِذَآ أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لاۤ إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } * { آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ } * { فَٱلْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ }

{ وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَآ إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً } من متاع الدنيا وأثاثها. مقاتل: شارة حسنة، لقوله:فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ } [القصص: 79] { وَأَمْوَالاً فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ }. اختلفوا في هذه اللام فقال بعضهم هي لام (كي) ومعناه [أعطيتهم لكي يضلّوا ويبطروا ويتكبّروا] لتفتنهم بها فيضلّوا ويُضلّوا إملاءً منك، وهذا كقوله تعالى:لأَسْقَيْنَاهُم مَّآءً غَدَقاً * لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } [الجن: 16-17]، وقيل: هي لام العاقبة ولام الصيرورة يعني أعطاهم ليضلّوا [......] آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً، وقيل: هي لام أي آتيتهم لأجل ضلالهم عقوبة لهم كقوله:سَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمْ إِذَا ٱنْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ } [التوبة: 95] أي لأجل إعراضكم عنهم، ولم يحلفوا لتعرض عنهم.

{ رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ } ، قال عطية ومجاهد: أعفها، فالطمس: المحو والتعفية، وقال أكثر المفسرين: امسخها وغيّرها عن هيئتها، قال محمد بن كعب القرضي: جعل سكّتهم حجارة، وقال قتادة: بلغنا أن زروعهم صارت حجارة، وقال ابن عباس: إن الدراهم والدنانير صارت حجارة منقوشة كهيئتها صحاحاً وأثلاثاً وأنصافاً. قال ابن زيد: صارت حجارة ذهبهم، ودراهمهم وعدسهم وكل شيء، وقال السدّي: مسخ الله أموالهم حجارة، النخل والثمار والدقيق والأطعمة، وكانت احدى الآيات التسع.

{ وَٱشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } يعني: واطبع عليها حتى لا تلين ولا تنشرح للإيمان.

{ فَلاَ يُؤْمِنُواْ } قيل: هو نصب جواب الدعاء بالفاء، وقيل: عطف على قوله: [ليُضلوا].

قال الفراء: هو دعاء ومحله جزم كأنه: اللهم فلا يؤمنوا وقيل: معناه فلا آمنوا. { قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا } [وقرأ علي والسملي: «دعواتكما» بالجمع وقرأ ابن السميقع: قد أجبت دعوتكما] خبراً عن الله تعالى.

كقول الأعشى:
فقلت لصاحبي لا تعجلانا   بنزع أصوله واجتز شيحاً
{ فَٱسْتَقِيمَا } على الرسالة والدعوة، وامضيا لأمري إلى أن يأتيهم عقاب الله.

قال ابن جريج: مكث فرعون بعد هذا الدعاء أربعين سنة.

{ وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ } نهي بالنون الثقيلة ومحله جزم ويقال في الواحد لا تتبعَنْ، فيفتح النون لالتقاء الساكنين، وتكسر في التثنية لهذه العلة. وقرأ ابن عامر بتخفيف النون لأن نون التوكيد تُثقّل وتخفف.

{ سَبِيلَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } يعني: ولا تسلكا طريق الذين يجهلون حقيقة وعدي فتستعجلان قضائي؛ فإن قضائي ووعدي لا خلف لهما، ووعيدي نازل بفرعون وقومه.

{ وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْبَحْرَ } الآية، وذلك أنّ الله تعالى أمر موسى (عليه السلام) أن يخرج ببني إسرائيل من مصر و [تَبَعا] بنو إسرائيل من القبط [فأخرجهم] بعلة عرس لهم وسرى بهم موسى وهم ستمائة ألف وعشرون ألفاً لا يُعدّ فيهم ابن سبعين سنة ولا ابن عشرين سنة، [إلى البحر وقال لكما] القبط تلك الليلة، فتتبعوا بني إسرائيل حتى أصبحوا وهو قوله:فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ } [الشعراء: 60] بعدما دفنوا أولادهم، فلمّا بلغ فرعون ركب [البحر] ومعه ألف ألف وستمائة ألف.

السابقالتالي
2 3