الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَآ أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَّكْرٌ فِيۤ آيَاتِنَا قُلِ ٱللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ } * { هُوَ ٱلَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي ٱلْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَآءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَآءَهُمُ ٱلْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ } * { فَلَمَّآ أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ مَّتَاعَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { إِنَّمَا مَثَلُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَٱخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ ٱلأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ ٱلنَّاسُ وَٱلأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَٱزَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَآ أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَآ أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِٱلأَمْسِ كَذٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } * { وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }

{ وَإِذَآ أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ } يعني الكفار { رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُمْ } أي راحة ورخاء بعد شدة وبلاء، وقيل: عنى به القطر بعد القحط { إِذَا لَهُمْ مَّكْرٌ فِيۤ آيَاتِنَا } قال مجاهد: استهزاء وتكذيب. مقاتل بن حسان: لا يقولون هذا رزق الله فإنما يقولون: سقينا بنوء كذا وهو قوله:وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } [الواقعة: 82] { قُلِ ٱللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً } أعجل عقوبة وأشد أخذاً وأقدر على الجزاء، وقال مقاتل صنيعاً. { إِنَّ رُسُلَنَا } حفظتنا { يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ } قرأ العامة بالتاء لقوله، وقراءة الحسن ومجاهد وقتادة ويعقوب: يمكرون بالياء لقوله: { إِذَا لَهُمْ } وهي رواية هارون عن أبي عمرو.

{ هُوَ ٱلَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ } يبحر بكم ويحملكم على التسيير، وقرأ أبو جعفر وابن عامر: ينشركم بالنون من النشر، وهو [البسط] في البر على الظهر وفي البحر على الفلك { حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي ٱلْفُلْكِ } أي في السفن يكون واحد أو جمعاً، وقرأ عيسى الفلك بضم اللام.

{ وَجَرَيْنَ بِهِم } يعني جرت السفن بالناس وهذا خطاب تكوين رجع من الخطاب إلى الخبر { بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا } أي الريح { جَآءَتْهَا } يعني الفلك وهو جواب لقوله حتى إذا جاءتها { رِيحٌ عَاصِفٌ } شديد يقال: عصفت الريح وأعصفت والريح، مذكر ومؤنث، وقيل: لم يقل: عاصفة لاختصاص الريح بالعصوف، وقيل: للنسب أي ذات صوف { وَجَآءَهُمُ } يعني سكان السفينة { ٱلْمَوْجُ } وهو حركة الماء وأخلاطه { مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوۤاْ } وأيقنوا { أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ } إذا أحاط بهم الهلاك { دَعَوُاْ ٱللَّهَ } هنالك { مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } للدعاء دون أوثانهم وكان مفزعهم إلى الله دونها.

روى [الثوري] عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي عبيد في قوله تعالى: { مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } قال: قالوا في دعائهم: أهيا شراهيا وتفسيره: يا حيُّ يا قيوم { لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا } خلصتنا يا ربنا { مِنْ هَـٰذِهِ } الريح العاصف { لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ } لك بالإيمان والطاعة { فَلَمَّآ أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ } يظلمون ويتجاوزون إلى غير أمر الله { فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ } الآن وباله راجع إليها وجزاؤه لاحق، وأتم الكلام هاهنا كقوله تعالى:لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلاَغٌ } [الأحقاف: 35] أي هذا بلاغ وقيل هو كلام متصل، والبغي ابتداء ومتاع خبره، وقوله على أنفسكم صلة المتاع ومعناه { إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ مَّتَاعَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } ولا يصلح لزاد المعاد لأنّكم استوجبتم غضب الله.

وقرأ ابن اسحاق وحفص: متاعاً بالنصب على الحال { ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * إِنَّمَا مَثَلُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } في فنائها وزوالها { كَمَآءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَٱخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ ٱلأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ ٱلنَّاسُ } من الحبوب والبقول والثمار { وَٱلأَنْعَامُ } من الحشيش والمراعي.

{ حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلأَرْضُ زُخْرُفَهَا } حسنها وبهجتها { وَٱزَّيَّنَتْ } هذا قراءة العامة، وتصديقها قراءة عبد الله بن مسعود: وتزينت، وقرأ أبو عثمان النهدي والضحاك: وأزّانت على وزن اجّازت قال عوف بن أبي جميلة: كان أشياخنا يقرأونها كذلك وازيانت نحو اسوادّت، وقرأ أبو رجاء وأبو العالية والشعبي والحسن والأعرج: وأزينت على وزن أفعلت مقطوعة الألف[بالتخفيف]، قال قطرب: معناه: أتت بالزينة عليها، كقولهم: أحبّ فأذمّ واذكرت المرأة فأنثت { وَظَنَّ أَهْلُهَآ أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ } أخبر عن الأرض ويعني للنبات إذ كان مفهوماً وقيل: ردّه إلى الغلّة وقيل: إلى الزينة { أَتَاهَآ أَمْرُنَا } قضاؤنا بهلاكها { لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً } مقطوعة مقلوعة وهي محصورة صرفت إلى حصيد { كَأَن لَّمْ تَغْنَ } تكن، وأصلة من غني المكان إذا أقام فيه وعمّره، وقال مقاتل: تغم، وقرأها العامة: تغن بالتاء لتأنيث الأرض، وقرأها قتادة بالياء يذهب به إلى الزخرف { كَذٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلاَمِ } قال قتادة: السلام الله وداره الجنة، وقيل: السلام والسلامة واحد كاللذاذ واللذاذة والرضاع والرضاعة.

السابقالتالي
2