{ وَإِذَآ أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ } يعني الكفار { رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُمْ } أي راحة ورخاء بعد شدة وبلاء، وقيل: عنى به القطر بعد القحط { إِذَا لَهُمْ مَّكْرٌ فِيۤ آيَاتِنَا } قال مجاهد: استهزاء وتكذيب. مقاتل بن حسان: لا يقولون هذا رزق الله فإنما يقولون: سقينا بنوء كذا وهو قوله:{ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } [الواقعة: 82] { قُلِ ٱللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً } أعجل عقوبة وأشد أخذاً وأقدر على الجزاء، وقال مقاتل صنيعاً. { إِنَّ رُسُلَنَا } حفظتنا { يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ } قرأ العامة بالتاء لقوله، وقراءة الحسن ومجاهد وقتادة ويعقوب: يمكرون بالياء لقوله: { إِذَا لَهُمْ } وهي رواية هارون عن أبي عمرو. { هُوَ ٱلَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ } يبحر بكم ويحملكم على التسيير، وقرأ أبو جعفر وابن عامر: ينشركم بالنون من النشر، وهو [البسط] في البر على الظهر وفي البحر على الفلك { حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي ٱلْفُلْكِ } أي في السفن يكون واحد أو جمعاً، وقرأ عيسى الفلك بضم اللام. { وَجَرَيْنَ بِهِم } يعني جرت السفن بالناس وهذا خطاب تكوين رجع من الخطاب إلى الخبر { بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا } أي الريح { جَآءَتْهَا } يعني الفلك وهو جواب لقوله حتى إذا جاءتها { رِيحٌ عَاصِفٌ } شديد يقال: عصفت الريح وأعصفت والريح، مذكر ومؤنث، وقيل: لم يقل: عاصفة لاختصاص الريح بالعصوف، وقيل: للنسب أي ذات صوف { وَجَآءَهُمُ } يعني سكان السفينة { ٱلْمَوْجُ } وهو حركة الماء وأخلاطه { مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوۤاْ } وأيقنوا { أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ } إذا أحاط بهم الهلاك { دَعَوُاْ ٱللَّهَ } هنالك { مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } للدعاء دون أوثانهم وكان مفزعهم إلى الله دونها. روى [الثوري] عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي عبيد في قوله تعالى: { مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } قال: قالوا في دعائهم: أهيا شراهيا وتفسيره: يا حيُّ يا قيوم { لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا } خلصتنا يا ربنا { مِنْ هَـٰذِهِ } الريح العاصف { لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ } لك بالإيمان والطاعة { فَلَمَّآ أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ } يظلمون ويتجاوزون إلى غير أمر الله { فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ } الآن وباله راجع إليها وجزاؤه لاحق، وأتم الكلام هاهنا كقوله تعالى:{ لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلاَغٌ } [الأحقاف: 35] أي هذا بلاغ وقيل هو كلام متصل، والبغي ابتداء ومتاع خبره، وقوله على أنفسكم صلة المتاع ومعناه { إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ مَّتَاعَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } ولا يصلح لزاد المعاد لأنّكم استوجبتم غضب الله. وقرأ ابن اسحاق وحفص: متاعاً بالنصب على الحال { ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * إِنَّمَا مَثَلُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } في فنائها وزوالها { كَمَآءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَٱخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ ٱلأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ ٱلنَّاسُ } من الحبوب والبقول والثمار { وَٱلأَنْعَامُ } من الحشيش والمراعي. { حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلأَرْضُ زُخْرُفَهَا } حسنها وبهجتها { وَٱزَّيَّنَتْ } هذا قراءة العامة، وتصديقها قراءة عبد الله بن مسعود: وتزينت، وقرأ أبو عثمان النهدي والضحاك: وأزّانت على وزن اجّازت قال عوف بن أبي جميلة: كان أشياخنا يقرأونها كذلك وازيانت نحو اسوادّت، وقرأ أبو رجاء وأبو العالية والشعبي والحسن والأعرج: وأزينت على وزن أفعلت مقطوعة الألف[بالتخفيف]، قال قطرب: معناه: أتت بالزينة عليها، كقولهم: أحبّ فأذمّ واذكرت المرأة فأنثت { وَظَنَّ أَهْلُهَآ أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ } أخبر عن الأرض ويعني للنبات إذ كان مفهوماً وقيل: ردّه إلى الغلّة وقيل: إلى الزينة { أَتَاهَآ أَمْرُنَا } قضاؤنا بهلاكها { لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً } مقطوعة مقلوعة وهي محصورة صرفت إلى حصيد { كَأَن لَّمْ تَغْنَ } تكن، وأصلة من غني المكان إذا أقام فيه وعمّره، وقال مقاتل: تغم، وقرأها العامة: تغن بالتاء لتأنيث الأرض، وقرأها قتادة بالياء يذهب به إلى الزخرف { كَذٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلاَمِ } قال قتادة: السلام الله وداره الجنة، وقيل: السلام والسلامة واحد كاللذاذ واللذاذة والرضاع والرضاعة.