الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلاَ أَعْبُدُ ٱلَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنْ أَعْبُدُ ٱللَّهَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } * { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَكُمُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ ٱهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ } * { وَٱتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَٱصْبِرْ حَتَّىٰ يَحْكُمَ ٱللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ ٱلْحَاكِمِينَ }

{ قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي } الذي أدعوكم إليه.

{ فَلاَ أَعْبُدُ ٱلَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } من الأوثان التي لا تعقل ولا تفعل ولا تبصر ولا تسمع ولا تضر ولا تنفع { وَلَـٰكِنْ أَعْبُدُ ٱللَّهَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ } تقدير أن يسلم ويقبض أرواحهم.

{ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ * وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ } قال ابن عباس: عملك. وقيل: نفسك، أي استقم على الدين { حَنِيفاً وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر: " لم أعبد ربي بالرهبانية وأن خير الدين الحنيفية السهلة ".

{ وَلاَ تَدْعُ } تعبد { مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ } إن أطعته { وَلاَ يَضُرُّكَ } إن عصيته { فَإِن فَعَلْتَ } فعبدت غير الله { فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ ٱلظَّالِمِينَ } الضارّين لأنفسهم، الواضعين العبادة في غير موضعها { وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ } يصبْك الله ببلاء وشدّة { فَلاَ كَاشِفَ } دافع { لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ } رخاء ونعمة { فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ } فلا مانع لرزقه.

{ يُصَيبُ بِهِ } واحد من الضر والخير { مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ * قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَكُمُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ } يعني القرآن فيه البيان.

{ فَمَنِ ٱهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ } [أي له ثواب اهتدائه] { وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا } فعلى نفسه جنا { وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ } بكفيل وحفيظ يحفظ أعمالكم. قال ابن عباس: نسختها آية القتال.

{ وَٱتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَٱصْبِرْ حَتَّىٰ يَحْكُمَ ٱللَّهُ } من نصرك وقهر أعدائك وإظهار دينه { وَهُوَ خَيْرُ ٱلْحَاكِمِينَ }.

قال الحسن: لما نزلت هذه الآية جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار وقد تجمع خيرتهم فقال: " إنكم ستجدون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني " قال أنس: فلم نصبر. فأمرهم بالصبر كما أمره الله به.

وقال عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب: لما قدم معاوية المدينة تلقّته الأنصار وتخلّف أبو قتادة ودخل عليه بعد فقال: مالك لا تلقنا؟ قال: لم تكن عندنا دواب، قال: فأين النواضح؟ قال: ربطناها في طلبك وطلب أبيك يوم بدر، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فاصبروا حتى تلقوني " ، قالوا: إذاً نصبر، ففي ذلك قال عبد الرحمن بن حسان بن ثابت:
ألا أبلغ معاوية بن حرب   أمير المؤمنين ثنا كلام
فإنّا صابرون ومنظروكم   إلى يوم التغابنوالخصام