الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ }

في إعراب { ٱلْحَمْدُ للَّهِ }

وقد اختلف القرّاء في قوله: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } ، فقرأت العامّة بضمّ الدال على الابتداء، وخبره فيما بعده. وقيل: على التقديم والتأخير، أي لله الحمد.

وقيل: على الحكاية. وقرأ هارون بن موسى الأعور ورؤبة بن العجاج بنصب الدال على الإضمار، أي أحمد الحمد؛ لأن الحمد مصدر لا يثنّى ولا يجمع. وقرأ الحسن البصري بكسر الدال، أتبع الكسرة الكسرة. وقرأ إبراهيم بن أبي عبلة الشامي بضم الدال واللام، أتبع الضمة الضمّة.

{ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } قرأ زيد بن علي: { رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ } بالنصب على المدح، وقال أبو سعيد ابن أوس الأنصاري: على معنى أحمد ربّ العالمين. وقرأ الباقون { رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } بكسر الباء، أي خالق الخلق أجمعين ومبدئهم ومالكهم والقائم بأمورهم، والرب بمعنى السيّد، قال الله تعالى:ٱذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ } [يوسف: 42] أي سيّدك، قال الأعشى:
واهلكن يوماً ربّ كندة وابنه   وربّ معبين خبت وعرعر
وربّ عمر والرومي من رأس حضية   وأنزلن بالأسباب رب المشقرة
يعني: رئيسها وسيّدها.

ويكون بمعنى المالك، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أربُّ إبل أنت أم رب غنم؟ ". فقال: من كل قد آتاني الله فأكثر وأطنب " وقال طرفة:
كقنطرة الرومي أقسم ربها   لتكتنفنّ حتى تشاد بقرمد
وقال النابغة:
وإن يك ربّ أذواد فحسبي   أصابوا من لقائك ما أصابوا
ويكون بمعنى الصاحب، قال أبو ذؤيب:
فدنا له رب الكلاب بكفّه   بيض رهاب ريشهن مقزع
ويكون بمعنى المرعى، يقول: ربّ يربّ ربابة وربوباً، فهو ربّ، مثل برّ وطب، قال الشاعر:
يربّ الذي يأتي من العرف إنه   إذا سئل المعروف زاد وتمّما
ويكون بمعنى المصلح للشيء، قال الشاعر:
كانوا كسالئة حمقاء إذحقنت   سلاءها في أديم غير مربوب
أي غير مصلح.

وقال الحسين بن الفضل: الرب: اللبث من غير إثبات أحد، يقال: ربّ بالمكان وأربّ، ولبث وألبث إذا أقام وفي الحديث أنه كان يتعوّذ بالله من فقر ضرب أو قلب قال الشاعر:
ربّ بأرض تخطّاها الغنم لب بأرض ما تخطاها الغنم   
وهو الاختيار؛ لأن المتكلمين أجمعوا على أنّ الله لم يزل ربّاً وسمعت أبا القاسم بن حبيب يقول: سمعت أبي يقول: سئل أبو بكر محمد بن موسى الواسطي عن الرب، فقال: هو الخالق ابتداءً، والمربي غذاءً، والغافر انتهاءً. ولا يقال للمخلوق: هو الرب، معرّفاً بالألف واللام، وإنما يقال على الإضافة: هو رب كذا؛ لأنه لا يملك الكل غير الله، والألف واللام تدلاّن على العموم. وأمّا العالمون فهم جمع عالَم، ولا واحد له من لفظه، كالأنام والرهط والجيش ونحوها.

واختلفوا في معناه، حدّثنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن الحسن، أخبرنا أبو إسحاق بن أسعد بن الحسن بن سفيان عن جدّه عن أبي نصر ليث بن مقاتل عن أبي معاذ الفضل بن خالد عن أبي عصمة نوح بن أبي مريم عن الربيع بن أنس عن شهر بن حوشب عن أبي بن كعب قال: العالمون هم الملائكة، وهم ثمانية عشر ألف ملكاً منهم أربعة آلاف وخمسمائة ملك بالمشرق، وأربعة آلاف وخمسمائة ملك بالمغرب، وأربعة آلاف وخمسمائة ملك بالكهف الثالث من الدنيا، وأربعة آلاف وخمسمائة ملك في الكهف الرابع من الدنيا، مع كل ملك من الأعوان ما لا يعلم عددهم إلاّ الله عزّ وجلّ ومن ورائهم أرض بيضاء كالرخام.

السابقالتالي
2