الرئيسية - التفاسير


* تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِّمَنْ حَارَبَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ ٱلْحُسْنَىٰ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } * { لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى ٱلتَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُطَّهِّرِينَ } * { أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَٱنْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } * { لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ ٱلَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

ثم قال: { وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً } ، يعني مسجد المنافقين، { وَكُفْراً } في قلوبهم، يعني النفاق، { وَتَفْرِيقاً بَيْنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } ، نزلت في اثني عشر رجلاً من المنافقين، وهم من الأنصار كلهم، من بني عمرو بن عوف، منهم: حرج بن خشف، وحارثة بن عمرو، وابنه زيد بن حارثة، ونفيل بن الحرث، ووديعة بن ثابت، وحزام بن خالد، ومجمع بن حارثة، قالوا: نبنى مسجداً نتحدث فيه ونخلو فيه، فإذا رجع أبو عامر الراهب اليهودي من الشام أبو حنظلة غسيل الملائكة، قلنا له: بنيناه لتكون إمامنا فيه.

فذلك قوله: { وَإِرْصَاداً لِّمَنْ حَارَبَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ } ، يعني أبا عامر الذي كان يسمى الراهب؛ لأنه كان يتعبد ويلتمس العلم، فمات كافراً بقنسرين لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم وأنهم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يبعد علينا المشي إلى الصلاة، فأذن لنا في بناء مسجد، فأذن لهم، ففرغوا منه يوم الجمعة، فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: من يؤمهم؟ قال: " رجل منهم " ، فأمر مجمع بن حارثة أن يؤمهم، فنزلت هذه الآية، وحلف مجمع: ما أردنا ببناء المسجد إلا الخير، فأنزل الله عز وجل في مجمع: { وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ ٱلْحُسْنَىٰ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } [آية: 107] فيما يحلفون.

{ لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً } ، يعني في مسجد المنافقين إلى الصلاة أبداً، كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلي فيه، ولا يمر عليه، ويأخذ غير ذلك الطريق، وكان قبل ذلك يصلي فيه، ثم قال: { لَّمَسْجِدٌ } ، يعني مسجد قباء، وهو أول مسجد بني بالمدينة، { أُسِّسَ } ، يعني بني، { عَلَى ٱلتَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ } ، يعني أول مرة، { أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ } إلى الصلاة؛ لأنه كان بني من قبل مسجد المنافقين، ثم قال: { فِيهِ رِجَالٌ } ، يعني في مسجد قباء، { يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ } ، من الأحداث والجنابة، { وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُطَّهِّرِينَ } [آية: 108]، نزلت في الأنصار.

فلما نزلت هذه الآية، " انطلق النبي صلى الله عليه وسلم حتى قام على باب مسجد قباء، وفيه المهاجرون والأنصار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأهل المسجد: أمؤمنون أنتم؟، فسكتوا فلم يجيبوه، ثم قال ثانية: أمؤمنون أنتم؟ قال عمر بن الخطاب: نعم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتؤمنون بالقضاء؟، قال عمر: نعم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتصبرون على البلاء؟، قال عمر: نعم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتشكرون على الرخاء؟، فقال عمر: نعم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:أنتم مؤمنون ورب الكعبة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار: إن الله عز وجل قد أثنى عليكم في أمر الطهور، فماذا تصنعون؟، قالوا: نمر الماء على أثر البول والغائط، فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية: { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُطَّهِّرِين } "

السابقالتالي
2