الرئيسية - التفاسير


* تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) مصنف و مدقق


{ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ٱلْغَاشِيَةِ } * { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ } * { عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ } * { تَصْلَىٰ نَاراً حَامِيَةً } * { تُسْقَىٰ مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ } * { لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ } * { لاَّ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِن جُوعٍ } * { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ } * { لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ } * { فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ } * { لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً } * { فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ } * { فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ } * { وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ } * { وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ } * { وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ } * { أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى ٱلإِبْلِ كَيْفَ خُلِقَتْ } * { وَإِلَى ٱلسَّمَآءِ كَيْفَ رُفِعَتْ } * { وَإِلَىٰ ٱلْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ } * { وَإِلَى ٱلأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ } * { فَذَكِّرْ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٌ } * { لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ } * { إِلاَّ مَن تَوَلَّىٰ وَكَفَرَ } * { فَيُعَذِّبُهُ ٱللَّهُ ٱلْعَذَابَ ٱلأَكْبَرَ } * { إِنَّ إِلَيْنَآ إِيَابَهُمْ } * { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ }

{ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ٱلْغَاشِيَةِ } [آية: 1] يعني قد أتاك حديث أهل النار من قوله:تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ } [المؤمنون: 104]، وكل شىء في القرآن { هَلْ أَتَاكَ } ، يقول: قد أتاك، ثم أخبر عن حالهم، فقال: { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ } [آية: 2] يعني ذليلة { عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ } [آية: 3] يعني عاملة في النار، النار تأكله، ويأكل من النار، يعني ناصبة للعذاب صاغرة { تَصْلَىٰ نَاراً حَامِيَةً تُسْقَىٰ مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ } [آية: 5] يعني من عين قد انتهى حرها، وذلك أن جهنم تسعر عليهم منذ يوم خلقت إلى يوم يدخلونها، وهي عين تخرج من أصل جبل طولها مسيرة سبعين عاماً، ماؤها أسود كدردي الزيت، كدر غليظ كثير الدعاميص، تسقيه الملائكة بإناء من حديد من نار فيشربه، فإذا قرب الإناء من فيه أحرق شدقيه، وتناثرت أنيابه وأضراسه، فإذا بلغ صدره نضج قلبه، فإذا بلغ بطنه غلى كما يغلي الحميم من شدة الحر، حتى يذوب كما يذوب الرصاص إذا أصابه النار، فيدعوا الشقي بالويل، فذلك قوله: { تُسْقَىٰ مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ }.

ثم أخبر عن طعام الشقي، فقال: { لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ } [آية: 6] وهي شجرة تكون بمكة كثيرة الشوك لا تقربها دابة في الأرض من شوكها، ولا يستطيع أحد أن يمسكها من كثرة شوكها، وتسميها قريش، وهي رطبة في الربيع الشبرق، وتصيب الإبل من ورقها في الربيع ما دامت رطبة، فإذا يبست لم تقربها الإبل، وما من دابة في الأرض من الهوام والسباع، وما يؤذى بنى آدم إلا مثلها في النار سلطها الله عز وجل على أهلها، لكنها من نار، وما خلق الله شيئاً في النار إلا من النار، ثم قال: { لاَّ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِن جُوعٍ } [آية: 7] فإنهم لا يطعمون من أجل الجوع، وإنما من أجل العذاب.

ثم ذكر أولياءه من أهل طاعته، فقال: { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ } [آية: 8] يعني فرحة شبه الله عز وجل وجوههم بوجوه قوم فرحين، إذا أصابوا الشراب طابت أنفسهم، فاجتمع الدم في وجوههم، فاجتمع فرح القلوب وفرح الشراب، فهو ضاحك الوجه مبتسم طيب النفس، ثم قال: { لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ } [آية: 9] يعني قد رضي الله عمله، فأثابه الله عز وجل ذلك بعمله.

قال: { فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ } [آية: 10] وإنما سماها عالية لأن جهنم أسفل منها، وهي دركات، والجنة درجات، ثم قال: { لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً } [آية: 11] يقول: لا يسمع بعضهم من بعض غيبة، ولا كذب، ولا شتم، قوله: { فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ } [آية: 12] يعني في الجنة لأنها فيها تجرى الأنهار { سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ } [آية: 13] منسوجة بقضبان الدر والذهب عليها سبعون فراشاً، كل فراش قدر غرفة من غرف الدنيا، فذلك قوله: { فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ }.

السابقالتالي
2