الرئيسية - التفاسير


* تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاَقِيهِ } * { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ } * { فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً } * { وَيَنقَلِبُ إِلَىٰ أَهْلِهِ مَسْرُوراً } * { وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَٰبَهُ وَرَآءَ ظَهْرِهِ } * { فَسَوْفَ يَدْعُواْ ثُبُوراً } * { وَيَصْلَىٰ سَعِيراً } * { إِنَّهُ كَانَ فِيۤ أَهْلِهِ مَسْرُوراً } * { إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ } * { بَلَىٰ إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً }

ثم قال: { يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَانُ } يعني بالإنسان الأسود بن عبد الأسد { إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحاً } إنك ساع إلى ربك سعياً { فَمُلاَقِيهِ } [آية: 6] بعملك، ثم قال: { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ } [آية: 7] وهو عبدالله بن عبد الأسد، ويكنى أبا سلمة { فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً } [آية: 8] يقول: باليسير، بأن الله لا يغير حسناته ولا يفضحه.

وذلك أن الله عز وجل إذا جمع الخلائق يوم القيامة، فإنهم يموج بعضهم في بعض، مقدار ثلاث مائة سنة، حتى إذا استوى الرب جل وعز على كرسيه ليحاسب خلقه، فإذا جاء الرب تبارك وتعالى والملائكة صفاً صفاً، فينظرون إلى الجنة، وإلى النار، ويجاء بالنار، من مسيرة خمس مائة عام، عليها تسعون ألف زمام، في كل زمام سعبون ألف ملك، متعلق يحبسونها عن الخلائق، طول عنق أحدهم مسيرة سنة، وعلظها مسيرة سنة، مابين منكبي أحدهم مسيرة خمسين سنة، وجوههم مثل الجمر، وأعينهم مثل البرق، إذا تكلم أحدهم، تناثرت من فيه النار، بيد كل واحد منهم، مرزبة، عليها ثلاث مائة وستون رأساً، كأمثال الجبال، هى أخف بيده من الريشة، فيجئون بها فيسوقونها، حتى تقام عن يسار العرش.

ويجاء بالجنة يزفونها كما تزف العروس إلى زوجها، حتى تقام عن يمين العرش، فإذا ما عاين الخلائق النار، وما أعد الله لأهلها، ونظروا إلى ربهم وسكتوا، فانقطعت عند ذلك أصواتهم، فلا يتكلم أحد منهم من فرق الله وعظمته، ولما يرون من العجائب من الملائكة، من حلمة العرش، ومن أهل السماوات، ومن جهنم، ومن خزنتها، فانقطعت أصواتهم عند ذلك.

وترتعد مفاصلهم، فإذا علم الله ما أصاب أولياءه من الخوف، وبلغت القلوب الحناجر، فيقوم مناد عن يمين العرش، فينادى:يٰعِبَادِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ } [الزخرف: 68]، فيرفع عند ذلك الإنس والجن كلهم رءوسهم والمؤمنون والكفار، لأنهم عباده كلهم، ثما ينادي في الثانية:ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ } [الزخرف: 69]، فيرفع المؤمنون رءوسهم، وينكس أهل الأديان كلهم رءوسهم، والناس سكوت مقدار أربعين عاماً، فذلك قوله:هَـٰذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ } [المرسلات: 35، 36].

وقوله:لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَقَالَ صَوَاباً } [النبأ: 38]، وقال: لا إله إلا الله، فذلك الصواب، وقوله:وَخَشَعَتِ ٱلأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَـٰنِ فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً } [طه: 108]، فلا يجبهم الله، ولا يكلمهم، ولا يتكلمون هم مقدار أربعين سنة، يقول بعد ذلك لملك من الملائكة، وهو جبريل، عليه السلام: ناد الرسل وابدأ بالأمي، قال: فيقوم الملك، فينادى عند ذلك أين النبي الأمي؟ فتقول الأنبياء عند ذلك: كلنا نبيون وأميون بين، فيقول النبي العرب الأمي الحرمي، فيقوم عند ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فيرفع صوته بالدعاء، فيقول: كم من ذنب قد عملتموه ونسيتموه، وقد أحصاه الله، رب لا تفضح أمتي، قال: فلا يزال يدنو من الله تعالى، حتى يقوم بين يديه، أقرب خلقه إليه، فيحمد الله ويثني عليه، ويذكر من الثناء على الله تعالى والحمد، حتى تعجب الملائكة منه والخلائق.

السابقالتالي
2 3