الرئيسية - التفاسير


* تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَٱثْبُتُواْ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ } * { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَٱصْبِرُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ } * { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } * { وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ ٱلْيَوْمَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَآءَتِ ٱلْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنْكُمْ إِنَّيۤ أَرَىٰ مَا لاَ تَرَوْنَ إِنَّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } * { إِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَـٰؤُلاۤءِ دِينُهُمْ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } ، يعنى صدقوا بتوحيد الله عز وجل، { إِذَا لَقِيتُمْ فِئَة } ، يعني كفار مكة ببدر، { فَٱثْبُتُواْ } لهم، { وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ } ، يعني لكي { تُفْلِحُونَ } [آية: 45].

{ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } فيما أمركم به فى أمر القتال، { وَلاَ تَنَازَعُواْ } ، يقول: ولا تختلفوا عند القتال، { فَتَفْشَلُواْ } ، يعني فتجبنوا، { وَتَذْهَبُ رِيحُكُمْ } ، يعني الصبا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم: " قال: " نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور " ، { وَٱصْبِرُوۤاْ } لقتال عدوكم، { إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ } [آية: 46]، يعني فى النصر للمؤمنين على الكافرين بذنوبهم وبعملهم.

ثم وعظ المؤمنين، فقال: { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَآءَ ٱلنَّاسِ } ، ليذكروا بمسيرهم، يعني ابن أمية، وابن المغيرة المخزومي، وذلك أنهم كانوا رءوس المشركين في غزوهم بدر، فقال أبو جهل حين نجت العير وسارت إلى مكة، فأشاروا عليه بالرجعة، قال: لا نرجع حتى ننزل على بدر فننحر الجزر، ونشرب الخمر، وتعزف علينا القيان، فتسمع العرب بمسيرنا، فذلك قوله:بَطَراً وَرِئَآءَ ٱلنَّاسِ } ليذكروا بمسيرهم { وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّه } ، يقول: ويمنعون أهل مكة عن دين الإسلام، { وَٱللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيط } [آية: 47] أحاط علمه بأعمالهم.

{ وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ ٱلْيَوْمَ مِنَ ٱلنَّاسِ } ، وذلك أنه بلغهم أن العير قد نجت، فأرادوا الرجوع إلى مكة، فأتاهم إبليس فى صورة سراقة بن مالك بن جشعم الكنانى، من بنى مدلج بن الحراث، فقال: لا ترجعوا حتى تستأصلوهم، فإنكم كثير وعدوكم قليل، فتأمن عيركم، ويسير ضعيفكم، { وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ } على بني كنانة، أنكم لا تمرون بحي منهم إلا أمدكم بالخيل والسلاح والرجال، فأطاعوه ومضوا إلى بدر لما أراد الله من هلاكهم، فلما التقوا نزلت ملائكة ببدر مدداً للمؤمنين، عليهم جبريل، عليه السلام، ولما رأى إبليس ذلك، نكص على عقبيه، يقول: استأخر وراءه.

فذلك قوله: { فَلَمَّا تَرَآءَتِ ٱلْفِئَتَانِ } فئة المشركين، { نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ } ، يقول: استأخر وراءه، وعلم أنه لا طاقة له بالملائكة، فأخذ الحارث بن هشام بيده، فقال: يا سراقة، على هذا الحال تخذلنا؟ { وَقَالَ } إبليس: { إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنْكُمْ إِنَّيۤ أَرَىٰ مَا لاَ تَرَوْنَ } ، فقال الحارث: والله ما نرى إلا خفافيش يثرب، فقال إبليس: { إِنَّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } [آية: 48]، وكذب عدو الله ما كان به الخوف، ولكن خذلهم عند الشدة، فقال الحارث لإبليس وهو في صورة سراقة: فهلا كان هذا أمس، فدفع إبليس فى صدر الحارث، فوقع الحارث، وذهب إبليس هارباً، فلما انهزم المشركون، قالوا: انهزم بالناس سراقة، وهو بعض الصف، فلما بلغ سراقة سار إلى مكة، فقال: بلغني أنكم تزعمون بأني انهزمت بالناس، فوالذي يحلف به ما شعرت بمسيركم حتى بلغني هزيمتكم، قالوا له، ما أتيتنا يوم كذا وكذا، فحلف بالله لهم أنه لم يفعل، فلما أسلموا علموا أنما ذلك الشيطان.

السابقالتالي
2