الرئيسية - التفاسير


* تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً } * { يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً } * { وَفُتِحَتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً } * { وَسُيِّرَتِ ٱلْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً } * { إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً } * { لِّلطَّاغِينَ مَآباً } * { لاَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً } * { لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً } * { إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً } * { جَزَآءً وِفَاقاً } * { إِنَّهُمْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ حِسَاباً } * { وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا كِذَّاباً } * { وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً } * { فَذُوقُواْ فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً }

فقال: { إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ } يعني يوم القضاء هو يوم القيامة بين الخلائق { كَانَ مِيقَاتاً } [آية: 17] يعني كان ميقات الكافر، وذلك أنهم كانوا يقولون:مَتَىٰ هَذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [يس: 48] فأنزل الله عز وجل يخبرهم بأن ميقات ذلك اليوم كائن يوم الفصل يا معشر الكفار، فتجازون ما وعدكم على ألسنة الرسل، ثم أخبرهم أيضاً فقال: { يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ } وذلك إن إسرافيل، عليه السلام، ينفخ فيها فيقول: أيتها العظام البالية، وأيتها العروق المتقطعة، وأيتها اللحوم المتمزقة، وأيتها الأشعار الساقطة، اجتمعن لننفخ فيكم أرواحكم، وأجازكم بأعمالكم ويديم الملك الصوت، فتجتمع الأرواح كلها في القرن، والقرن طوله طول السموات والأرض، فتخرج أرواحهم مثل النحل سود وبيض شقى وسعيد، أرواح المؤمنين، بيض كأمثال النحل من السماء إلى واد بدمشق يقال له: الجابية، وتخرج أرواح الكفار من الأرض السلقى سود إلى واد بحضرموت يقال له: برهوت، وكل روح أعرف بجسد صاحبه من أحدكم إلى منزله { فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً } [آية: 18] ثم ينزل إسرافيل من فوق السماء السابعة، فيجلس على صخرة ببيت المقدس، فيأخذ أرواح الكفار والمؤمنين ويجعلهم في القرن، ودائرة القرن مسيرة خمسمائة عام، ثم تنفخ في القرن فتطير الأرواح حتى تطبق ما بين السماء والأرض، فتذهب كل روح فتقع في جسد صاحبها، فيخرج الناس من قبورهم فوجا، فذلك قوله: { فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً } يعني زمراً زمراً، وفرقاً فرقاً، وأمماً أمماً، { وَفُتِحَتِ ٱلسَّمَآءُ } يعني وفرجت السماء، يعني وفتقت السماء فتقطعت { فَكَانَتْ أَبْوَاباً } [آية: 19] يعني خللا خللا فشبها الله بالغيم إذا انكشفت بعد المطر، ثم تهيج به الريح الشمال الباردة فينقطع فيصير كالأبواب { وَسُيِّرَتِ ٱلْجِبَالُ } يعني وانقلعت الجبال من أماكنها، فطارت بين السماء والأرض من خشية الله، فضرب الله لها مثلا، فقال: { فَكَانَتْ سَرَاباً } [آية: 20] يعني مثل السراب يكون بالقاع يحسبه الظمآن ماء، فإذا أتاه لم يجده شيئاً، فذلك قوله:تَحْسَبُهَا جَامِدَةً } [النمل: 88] يعني من بعيد يحسبها جبلا قائماً، فإذا انتهى إليه ومسه لم يجده شيئاً، فتصير الجبال أول مرة كالمهل، ثم تصير الثانية كالعهن المنفوش، ثم تذهب فتصير لا شىء فتراها تحسبها جبالا، فإذا مسستها لم تجدها شيئاً، فذلك قوله: { وَسُيِّرَتِ ٱلْجِبَالُ } يعني انقطعت الجبال من خشية الله عز وجل يوم القيامة فكانت سراباً فما حالك يا بن آدم.

{ إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً } [آية: 21] { لِّلطَّاغِينَ } يعني الكافرين { مَآباً } [آية: 22] يعني المشركين مرجعاً إليها نزلتفي الوليد بن المغيرة { لاَّبِثِينَ فِيهَآ } ثم ذكركم يلبثون في النار فلم يوقت لهم فقال: { لاَّبِثِينَ فِيهَآ } يعني في جهنم { أَحْقَاباً } [آية: 23] يعني في جهنم أحقابا وهى سبعة عشر حقباً، يعني الأزمنة والأحقاب لا يدرى عددها، ولا يعلم منتهاهه إلا الله عز وجل، الحقب الواحد ثمانون سنة، السنة فيها ثلاثمائة وستون يوماً، كل يوم فيها مقدار ألف سنة، وكان هذا بمكة، وأنزل الله عز وجل { لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا } في تلك الأحقاب { بَرْداً } يعني برد الكافور { وَلاَ شَرَاباً } [آية: 24] يعني الخمر كفعل أهل الجنة، ثم استثنى، فقال: { إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً } [آية: 25] { إِلاَّ حَمِيماً } يعني حاراً، وأيضاً لا يذقون في جهنم برداً ولا شراباً، يعني لا يذقون فيها روحا طيباً، ولا شراباً بارداً ينفعهم من هذه النار.

السابقالتالي
2