الرئيسية - التفاسير


* تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاَسِلاَ وَأَغْلاَلاً وَسَعِيراً } * { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً } * { عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً } * { يُوفُونَ بِٱلنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً } * { وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً } * { إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ ٱللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً } * { إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً } * { فَوَقَٰهُمُ ٱللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ ٱلْيَومِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً } * { وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ جَنَّةً وَحَرِيراً } * { مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَىٰ ٱلأَرَائِكِ لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً } * { وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً } * { وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَاْ } * { قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً } * { وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً } * { عَيْناً فِيهَا تُسَمَّىٰ سَلْسَبِيلاً } * { وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً } * { وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً } * { عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوۤاْ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً } * { إِنَّ هَـٰذَا كَانَ لَكُمْ جَزَآءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً }

فقال: { إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ } في الآخرة يعني يسرنا للكافرين يعني لمن كفر بنعم الله تعالى { سَلاَسِلاً } يعني سلسلة طولها سبعون ذراعاً بذراع الرجل الطويل من الخلق الأول.

حدثني أبي، رحمه الله، قال: حدثنا الهذيل، عن مقاتل بن سليمان، عن الضحاك بن مزاحم الخراساني، عن علي بن أبي طالب، عليه السلام، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: " لو أن حلقة من سلاسل جهنم وضعت على ذروة جبل لذاب كما يذوب الرصاص، فكيف يا ابن آدم، وهي عليك وحدك ".

ثم قال: { وَأَغْلاَلاً } فأما السلاسل ففي أعناقهم، وأما الأغلال ففي أيديهم، ثم قال: { وَسَعِيراً } [آية: 4] يعني وقوداً لا يطفأ، ثم ذكر ما أعد للشاكرين من نعمة، فقال: { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ } يعني الشاكرين المطيعين لله تعالى، يعني أبا بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وسلمان الفارسي، وأبا ذر الغفاري، وابن مسعود، وحذيفة بن اليمان، وأبا عبيدة بن الجراح، وأبا الدرداء، وابن عباس { يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ } يعني الخمر، وأيضاً إن الأبرار، يعني علي بن أبي طالب وأصحابه الأبرار الشاكرين لله تعالى يشربون من كأس، سعنى من خمر { كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً } [آية: 5].

ثم ذكر الكافور، فقال: { عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا } يعني الخمر { عِبَادُ ٱللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً } [آية: 6] يعني أولياء الله يمزجون ذلك الخمر، ثم جاء بذلك الماء، فهو على برد الكافور، وطعم الزنجبيل، وريح المسك لا بمسك أهل الدنيا، ولا زنجبيلهم، ولا كافورهم، ولكن الله تعالى وصف ما عنده بما عندهم لتهتدى إليه القلوب، ثم ذكر محاسنهم، فقال: { يُوفُونَ بِٱلنَّذْرِ } يعني من نذر الله نذراً، فقضى الله حاجته فيوفي لله بما قد نذره، قال: { وَيَخَافُونَ يَوْماً } يعني يوم القيامة { كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً } [آية: 7] يعني كان شراً فاشياً في أهل السماوات والأرض، فانشقت السماء، وتناثرت الكواكب، وفزعت الملائكة، وكورت الشمس، والقمر، فذهب ضوءهما وبدلت الأرض ونسفت الجبال، وغارت المياه، وتكسر كل شىء على الأرض من جبل، أو بناء، أو شجر، ففشى شر يوم القيامة فيها.

وأما قوله: { وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ } أى على حبهم الطعام { مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً } [آية: 8] نزلت في أبي الدحداح الأنصاري، ويقال: في علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، وذلك أنه صام يوماً، فلما أراد أن يفطر دعا سائل، فقال: عشونى بما عندكم، فإني لم أطعم اليوم شيئاً، قال أبو الدحداح، أو على: قومي فاثردى رغيفاً وصبي عليه مرقة، وأطعميه، ففعلت ذلك فما لبثوا أن جاءت جارية يتيمة، فقالت: أطعمونى، فإني ضعيفة لم أطعم اليوم شيئاً، قال: يا أم الدحداح قومي فاثردى رغيفاً وأطعميها، فإن هذه والله أحق من ذلك المسكين، فبينما هم كذلك إذ جاء على الباب سائل أسير ينادي، عشوا الغريب في بلادكم، فإني أسير في أيديكم وقد أجهدني الجوع، فبالذي أعزكم وأذلني لما أطعمتموني، فقال أبو الدحداح: يا أم الدحداح، قومي ويحك فاثردى رغيفاً وأطعمي الغريب الأسير، فإن هذا أحق من أولئك فأطعموا ثلاث أرغفة، وبقى لهم رغيف واحد، فأنزل الله تبارك وتعالى فيهم يمدحهم بما فعلوا، فقال: { وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً } يعني باليتيم من لا أب له ولا أم، { وَأَسِيراً } من أسارى المشركين { إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ ٱللَّهِ } يعني لمرضات الله تعالى { لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً } [آية: 9] يعني أن تثنوا به علينا { إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً } يعني يوم الشدة.

السابقالتالي
2 3 4 5