الرئيسية - التفاسير


* تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰبَنِيۤ ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ ذٰلِكَ خَيْرٌ ذٰلِكَ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } * { يَابَنِيۤ ءَادَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ ٱلشَّيْطَانُ كَمَآ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِّنَ ٱلْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَآ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا ٱلشَّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَآ آبَاءَنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَآءِ أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } * { قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِٱلْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَٱدْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } * { فَرِيقاً هَدَىٰ وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلضَّلاَلَةُ إِنَّهُمُ ٱتَّخَذُوا ٱلشَّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ }

{ يَابَنِيۤ آدَمَ } ، نزلت في ثقيف، وبني عامر بن صعصعة، وخزاعة، وبني مدلج، وعامر والحارث ابنى عبد مناة، قالوا: لا نطوف بالبيت الحرام في الثياب التي نقترف فيها الذنوب، ولا يضربون على أنفسهم خباء من وبر، ولا صوف، ولا شعر، ولا أدم، فكانوا يطوفون بالبيت عراة، ونساءهم يطفن بالليل، فأنزل الله: { يَابَنِيۤ آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً } ، يقول: من أمرى كان اللباس في الأرض، { يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ } ، يعني يغطي عوراتكم، { وَرِيشاً } ، يعني المال، { وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ } ، يعني من العمل الصالح، { ذٰلِكَ خَيْرٌ } ، يقول: العمل الصالح خير من الثياب والمال، ثم قال: { ذٰلِكَ } الثياب والمال { مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ } ومن صنعه، { لَعَلَّهُمْ } ، يعني لكي { يَذَّكَّرُونَ } [آية: 26] فيعتبروا في صنعه فيوحدوه.

ثم قال: { يَابَنِيۤ آدَمَ } ، يعنيهم، { لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ ٱلشَّيْطَانُ } في دينكم أمر الثياب، فيدعها عنكم فتبدى عوراتكم، { كَمَآ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ } ، يعني كما فعل بأبويكم آدم وحواء، فأخرجهما { مِّنَ ٱلْجَنَّةِ } ، وبدت عوراتهما، فذلك قوله: { يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا } ، يعني ثيابهما، { لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَآ } ، يعني عوراتهما، { إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ } ، يقول: يراكم إبليس وجنوده من الشياطين من حيث لا ترونهم، { إِنَّا جَعَلْنَا ٱلشَّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } [آية: 27]، يعني لا يصدقون.

ثم قال: { وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً } ، يعني معصية فيما حرموا من الحرث، والأنعام، والثياب، والألبان، فنهوا عن تحريم ذلك، { قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَآ آبَاءَنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا } ، يعني بتحريم ذلك، ثم قال: { قُلْ } يا محمد: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَآءِ } ، يعني بالمعاصى فيحرم ذلك، وقل لهم: { أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ } ربكم إنه حرم عليكم { مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [آية: 28] إنه حرمه.

و { قُلْ } لهم: { أَمَرَ رَبِّي بِٱلْقِسْطِ } ، يعني بالعدل، { وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ } ، يعني وأمر ربي أن تقيموا وجوهكم، يعني إلى القبلة، { عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ } في بيعة أو كنيسة أو غيرها، فصلوا قبل الكعبة، وأمرهم بالصلاة والتوحيد، فذلك قوله: { وَٱدْعُوهُ مُخْلِصِينَ } ، يعني موحدين، { لَهُ ٱلدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } [آية: 29]، يعني كما خلقكم سعداء وأشقياء كذلك تعودون.

{ فَرِيقاً هَدَىٰ } لدينه، { وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلضَّلاَلَةُ إِنَّهُمُ ٱتَّخَذُوا ٱلشَّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ } ، يعني أرباباً، { مِن دُونِ ٱللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ } [آية: 30]، أنهم على الهدى.