الرئيسية - التفاسير


* تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي ٱلأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ } * { وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ } * { قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } * { قَالَ فَٱهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَٱخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ ٱلصَّاغِرِينَ } * { قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } * { قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ } * { قَالَ فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } * { ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } * { قَالَ ٱخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَّدْحُوراً لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ }

{ وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي ٱلأَرْضِ } ، يقول: ولقد أعطيناكم يا أهل مكة من الخير والتمكين في الأرض، { وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ } من الرزق لتشكروه فتوحدوه، فلم تفعلوا، فأخبر عنهم، فقال: { قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ } [آية: 10]، يعني بالقليل أنهم لا يشكرون رب هذه النعم فيوحدونه.

{ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ } ، يعني آدم، عليه السلام، { ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ } ، يعني ذرية آدم، ذكراً وأنثى، وأبيض وأسود، سوياً وغير سوي، { ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ } الذين هم في الأرض، ومنهم إبليس عدو الله: { ٱسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُوۤاْ } له، ثم استثنى، فقال: { إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ } [آية: 11] لآدم مع الملائكة.

{ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } [آية: 12]، والنار تغلب الطين.

{ قَالَ فَٱهْبِطْ مِنْهَا } ، قال: اخرج من صورة الملائكة إلى صورة الدمامة، فأخرج من الجنة يا إبليس، { فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا } ، فما ينبغي لك أن تتعظم فيها، يعني في الجنة، { فَٱخْرُجْ } منها { إِنَّكَ مِنَ ٱلصَّاغِرِينَ } [آية: 13]، يعني من المذلين.

{ قَالَ } إبليس لربه: { أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } [آية: 14]، يعني النفخة الآخرة، يوم يبعث آدم، عليه السلام، وذريته.

{ قَالَ } الله: { إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ } [آية: 15]، فلا تموت إلى يوم الوقت المعلوم، يعني أجلاً معلوماً، وهي النفخة الأولى، { قَالَ فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي } ، قال: أما إذ أضللتنى.

{ لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } [آية: 16]، يعني لأصدنهم عن دينك المستقيم، يعني الإسلام.

{ ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ } ، من قبل الآخرة، فأزين لهم التكذيب بالبعث، وبالجنة، وبالنار، { وَمِنْ خَلْفِهِمْ } ، يعني من قبل الدنيا، فأزينها في أعينهم، وأرغبهم فيها، ولا يعطون فيها حقاً، { وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ } ، يعني من قبل دينهم، فإن كانوا على هدى شبهته عليهم حتى يشكوا فيها، وإن كانوا على ضلالة زينتها لهم، { وَعَن شَمَآئِلِهِمْ } ، يعني من قبل الشهوات واللذات من المعاصى وأشهيها إليهم، { وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } [آية: 17] لنعمتك، فلا يوحدونك.

{ قَالَ } له: { ٱخْرُجْ مِنْهَا } ، يعني من الجنة، { مَذْءُوماً } منفياً، { مَّدْحُوراً } ، يعني مطروداً، { لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ } على دينك، { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ } [آية: 18]، يعني إبليس وذريته وكفار ذرية آدم منهم جميعاً.