الرئيسية - التفاسير


* تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ ٱلْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي ٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُفْتَرِينَ } * { وَٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِهَا وَآمَنُوۤاْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَلَماَّ سَكَتَ عَن مُّوسَى ٱلْغَضَبُ أَخَذَ ٱلأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ } * { وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَّآ إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَآءُ وَتَهْدِي مَن تَشَآءُ أَنتَ وَلِيُّنَا فَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْغَافِرِينَ }

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ ٱلْعِجْلَ } إلهاً، { سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ } ، يعني عذاب، { مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ } ، يعني مذلة، { فِي ٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا } ، فصاروا مقهورين إلى يوم القيامة، ثم قال: { وَكَذَلِكَ } ، يعني وهكذا { نَجْزِي ٱلْمُفْتَرِينَ } [آية: 152]، يعني الذين افتروا فزعموا أن هذا إلهكم، يعني العجل، وإله موسى.

وكان السامري جمع الحلي بعد خمسة وثلاثين يوماً من يوم فارقهم موسى، عليه السلام، وكان السامري صائغاً، فصاغ لهم العجل في ثلاثة أيام، وقد علم السامري أنهم يعبدونه؛ لقولهم لموسى، عليه السلام، قبل ذلك: { ٱجْعَلْ لَّنَآ إِلَـٰهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ } ، فعبدوا العجل لتمام تسعة وثلاثين يوماً، ثم أتاهم موسى من الغد لتمام الأربعين يوماً.

{ وَٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ } ، يعني الشرك الذين عبدوا العجل، { ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِهَا } ، أي بعد الشرك، { وَآمَنُوۤاْ } ، يعني صدقوا بالله أنه واحد لا شريك له، { إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا } ، يعني من بعد الشرك، { لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } [آية: 153] بهم.

قوله: { وَلَماَّ سَكَتَ عَن مُّوسَى ٱلْغَضَبُ } ، يعني سكن، { أَخَذَ ٱلأَلْوَاحَ } بعدما ألقاها، { وَفِي نُسْخَتِهَا } فيما بقي منها، { هُدًى } من الضلالة، { وَرَحْمَةٌ } من العذاب، { لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ } [آية: 154]، يعني يخافون الله، وأعطي موسى التوراة يوم النحر يوم الجمعة، فلم يطق حملها، فسجد لله، وجعل يدعو ربه ويتضرع، حتى خففت عليه، فحملها على عاتقه.

{ وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا } ، من اثني عشر سبطاً، ستة ستة، فصاروا اثنين وسبعين رجلاً، قال موسى: إنما أمرنى ربى بسبعين رجلاً، فمن قعد عني فلم يجىء فله الجنة، فقعد يوشع بن نون، وكالب بن يوقنا، { لِّمِيقَاتِنَا } ، يعني لميعادنا، يعني الأربعين يوماً، فانطلق بهم، فتركهم في أصل الجبل، فلما نزل موسى إليهم، قالوا:أَرِنَا ٱللَّهِ جَهْرَةً } [النساء: 153]، فأخذتهم الرجفة، يعني الموت عقوبة لما قالوا، وبقي موسى وحده يبكي، { فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ } ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم وقد أهلكت خيارهم، رب { لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ } ، يعني أمتهم، { مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ } معهم من قبل أن يصحبوني، { أَتُهْلِكُنَا } عقوبة { بِمَا فَعَلَ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَّآ } ، وظن موسى، عليه السلام، أنما عوقبوا باتخاذ بني إسرائيل العجل، فهم السفهاء، فقال موسى: { إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ } ، يعني ما هي إلا بلاؤك، { تُضِلُّ بِهَا } بالفتنة { مَن تَشَآءُ وَتَهْدِي } من الفتنة { مَن تَشَآءُ أَنتَ وَلِيُّنَا فَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْغَافِرِينَ } [آية: 155]، قال: فلم يعبد العجل منهم إلا اثنا عشر ألفاً.