الرئيسية - التفاسير


* تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) مصنف و مدقق


{ وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَىٰ لأَخِيهِ هَارُونَ ٱخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ ٱلْمُفْسِدِينَ } * { وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـٰكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَىٰ صَعِقاً فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { قَالَ يٰمُوسَىٰ إِنِّي ٱصْطَفَيْتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَآ آتَيْتُكَ وَكُنْ مِّنَ ٱلشَّاكِرِينَ } * { وَكَتَبْنَا لَهُ فِي ٱلأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُوْرِيكُمْ دَارَ ٱلْفَاسِقِينَ } * { سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي ٱلَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ } * { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَآءِ ٱلآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

{ وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلاَثِينَ لَيْلَةً } من ذي القعدة، واعدناه الجبل، { وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ } من ذي الحجة، { فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ } ، يعني ربه، { أَرْبَعِينَ لَيْلَةً } ، وكان موسى ومن معه قد قطعوا البحر في عشر من المحرم يوم عاشوراء، ثم أعطى التوراة يوم النحر بينهما أحد عشر نهراً، { وَقَالَ مُوسَىٰ لأَخِيهِ هَارُونَ ٱخْلُفْنِي فِي قَوْمِي } ، بني إسرائيل بخير حين خرج إلى الجبل، { وَأَصْلِحْ } ، يعني وأرفق بهم، نظيرها في القصص:وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ } [القصص: 27]، يعني الرافقين بك، { وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ ٱلْمُفْسِدِينَ } [آية: 142] منهم.

{ وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ } الجبل { لِمِيقَاتِنَا } ، يعني لميعادنا لتمام الأربعين يوماً، { وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ } ، فلما سمع كلام ربه، استحلاه واشتاق إلى رؤية ربه، { قَالَ }: يا { رَبِّ أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ } له ربه: إنك { قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـٰكِنِ } ، اجعل بيني وبينك علماً هو أقوى منك، يعني الجبل، { انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي } ، وإن لم يستقر الجبل مكانه، فإنك لن تطيق رؤيتي، { فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً } ، يعني قطعاً، فصار الجبل دكاً، يعني قطعاً على ستة فرق، فوق ثلاثة بأجبل مكة: بثير، وغار ثور، وحزن، ووقع بالمدينة: رضوى، وورقان، وجبل أُحُد، فذلك قوله: { جَعَلَهُ دَكّاً } ، { وَخَرَّ موسَىٰ صَعِقاً } ، يعني ميتاً، { فَلَمَّآ أَفَاقَ } ، يعني رد عليه نفسه، { قَالَ } موسى: { سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ } من قولي: { رَبِّ أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ } { وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [آية: 143]، يعني أول المصدقين بأنك لن تُرى في الدنيا.

{ قَالَ } له ربه: { يٰمُوسَىٰ إِنِّي ٱصْطَفَيْتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي } ، يقول: اخترتك من بني إسرائيل بالرسالة وبالكلام من غير وحى، { فَخُذْ مَآ آتَيْتُكَ } بقوة، يقول: ما أعطيتك من التوراة بالجد، والمواظبة عليه، { وَكُنْ مِّنَ ٱلشَّاكِرِينَ } [آية: 144] لله في هذه النعم، يعني الرسالة، والكلام من غير وحى.

{ وَكَتَبْنَا لَهُ فِي ٱلأَلْوَاحِ } نقراً كنقش الخاتم، وهى تسعة ألواح، { مِن كُلِّ شَيْءٍ } ، فقال: { مَّوْعِظَةً } من الجهل، { وَتَفْصِيلاً } ، يعني بياناً { لِّكُلِّ شَيْءٍ } من الأمر، والنهى، والحد، وكتبه الله عز وجل بيده، فكتب فيها: إني أنا الله الذي لا إله إلا أنا الرحمن الرحيم، لا تشركوا بى شيئاً، ولا تقتلوا النفس، ولا تزنوا، ولا تقطعوا السبيل، ولا تسبوا الوالدين، ووعظهم في ذلك، والألواح من زمرد وياقوت، يقول: { فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ } ، يعني التوراة بالجد والمواظبة عليه، { وَأْمُرْ قَوْمَكَ } بني إسرائيل، { يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا } ، يعني بأحسن ما فيها، ثم قال قبل ذلك لبنى إسرائيل: { سَأُوْرِيكُمْ دَارَ ٱلْفَاسِقِينَ } [آية: 145] سنة أهل مصر، فزعم ابن عباس، أن الله حين أغرق فرعون وقومه، أوحى إلى البحر أن يقذف أجسادهم على الساحل، ففعل البحر ذلك، فنظر إليهم بنو إسرائيل، فأراهم سنة الفاسقين.

السابقالتالي
2