الرئيسية - التفاسير


* تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِٱلْبَأْسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ } * { ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ ٱلسَّيِّئَةِ ٱلْحَسَنَةَ حَتَّىٰ عَفَوْاْ وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا ٱلضَّرَّآءُ وَٱلسَّرَّآءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } * { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَٰتٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ وَلَـٰكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَٰهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { أَفَأَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَٰتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ } * { أَوَ أَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ } * { أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ ٱللَّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْخَاسِرُونَ } * { أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَآ أَن لَّوْ نَشَآءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } * { تِلْكَ ٱلْقُرَىٰ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَٰتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلْكَٰفِرِينَ } * { وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَآ أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ }

{ وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ } فكذبوه، { إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِٱلْبَأْسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ } ، يعنى قحط المطر، فأصابهم البؤس، وهو الشدة، والضر يعنى البلاء، { لَعَلَّهُمْ } ، يعنى لكى، { يَضَّرَّعُونَ } [آية: 94] إلى ربهم فيوحدونه فيرحمهم.

{ ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ ٱلسَّيِّئَةِ ٱلْحَسَنَةَ } ، يقول: حولنا مكان الشدة الرخاء، { حَتَّىٰ عَفَوْاْ } ، يقول: حموا وسمتوا، فلم يشكروا ربهم، فقالوا من غيرتهم وجهلهم: { وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا } ، يعنى أصاب آباءنا، { ٱلضَّرَّآءُ وَٱلسَّرَّآءُ } ، يعنى الشدة والرخاء مثل ما أصابنا، فلم يك شيئاً، يقول: { فَأَخَذْنَاهُمْ } بالعذاب { بَغْتَةً } ، فجأة، { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } [آية: 95] أعز ما كانوا حتى ينزل بهم، وقد أنذرتهم رسلهم العذاب من قبل أن ينزل بهم، فذلك قوله:ذٰلِكَ أَن لَّمْ يَكُنْ رَّبُّكَ مُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ } بالشرك،وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ } [الأنعام: 131].

ثم أخبر عنهم، فقال: { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ } التى عذبت، { آمَنُواْ } بتوحيد الله، { وَٱتَّقَواْ } الشرك ما قحط عليهم المطر، و { لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } ، يعنى المطر، { وَٱلأَرْضِ } ، يعنى النبات، { وَلَـٰكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُمْ } بالعذاب، { بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } [آية: 96] من الشرك والتكذيب.

{ أَفَأَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً } ، يعنى عذابنا ليلاً، { وَهُمْ نَآئِمُونَ } [آية: 97].

{ أَوَ أَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى } ، يعنى عذابنا نهاراً، { وَهُمْ يَلْعَبُونَ } [آية: 98]، يعنى لا هون عنه، نظيرها فى طه:وَأَن يُحْشَرَ ٱلنَّاسُ ضُحًى } [طه: 59]، يعنى نهاراً.

{ أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ ٱللَّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ ٱللَّهِ } ، يعنى عذاب الله، { إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْخَاسِرُونَ } [آية: 99].

{ أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلأَرْضَ } ، يعنى ورثوا الأرض، { مِن بَعْدِ } هلاك { أَهْلِهَآ أَن لَّوْ نَشَآءُ أَصَبْنَاهُمْ } بعذاب، { بِذُنُوبِهِمْ } ، يخوف كفار مكة، { وَنَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } بالكفر، { فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } [آية: 100] بالإيمان.

ثم رجع إلى القرى الخالية التى عذبت، فقال: { تِلْكَ ٱلْقُرَىٰ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا } ، يعنى حديثها، { وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ } ، يعنى بيان العذاب، فإنه نازل بهم فى الدنيا، وذلك أن النبى صلى الله عليه وسلم أخبر كفار مكة أن العذاب نازل بهم، فكذبوه بالعذاب، فأنزل الله: { فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ } ، يقول: فما كان كفار مكة ليؤمنوا، يعنى ليصدقوا أن العذاب نازل بهم فى الدنيا بما كذبت به أوائلهم من الأمم الخالية من قبل كفار مكة حين أنذرتهم رسلهم العذاب، يقول الله: { كَذَلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ } ، يعنى هكذا يختم الله بالكفر { عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلْكَافِرِينَ } [آية: 101].

{ وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ } ، وذلك أن الله أخذ ميثاق ذرية آدم على المعرفة، فأقروا بذلك، فلما بلغوا العمل نقضوا العهد، { وَإِن وَجَدْنَآ أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ } [آية: 102].