الرئيسية - التفاسير


* تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ } * { وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَٰطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ } * { وَلِتَصْغَىۤ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ } * { أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ ٱلْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِٱلْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ }

ثم أخبر عما علمه فيهم، فقال: { وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ } ، وأخبروهم أن محمداً رسول كما سألوا، لقولهم في الفرقان:لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْنَا ٱلْمَلاَئِكَةُ } [الفرقان: 21]، يعني المستهزئين من قريش، أبا جهل وأصحابه، ثم قال: { وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ } ، لقولهم: ابعث لنا رجلين أو ثلاثة من آبائنا، فنسألهم عما أمامهم مما تحدثنا أنه يكون بعد الموت أحق هو؟ ثم قال: { وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً } ، يعني عياناً، قال أبو محمد: ومن قرأه: " قَبلا " ، أراد قبيلاً قبيلاً، رواه عن ثعلب، فعاينوه كله، فلو فعلت هذا كله، فأخبروهم بأن الذي يقول محمد حق، { مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُوۤاْ } ، يعني ليصدقوا، { إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } لهم الإيمان، { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ } أكثر أهل مكة { يَجْهَلُونَ } [آية: 111].

ثم قال: { وَكَذَلِكَ } ، يعني وهكذا، { جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً } من قومه، يعني أبا جهل عدواً للنبي صلى الله عليه وسلم، كقولهم في الفرقان:وَقَالُواْ مَالِ هَـٰذَا ٱلرَّسُولِ... } [الفرقان: 7] إلى آخر الآية، قوله: { شَيَاطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ } ، وذلك أن إبليس وكل شياطين بالإنس يضلونهم، ووكل شياطين بالجن يضلونهم، فإذا التقى شيطان الإنس مع شيطان الجن، قال أحدهما لصاحبه: إنى أضللت صاحبي بكذا وكذا، فأضلل أنت صاحبك بكذا وكذا، فذلك قوله: { يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ } ، يقول: يزين بعضهم { زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً } ، يقول: ذلك التزيين بالقول باطل، يغرون به الإنس والجن، ثم قال: { وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ } ، يقول: لو شاء الله لمنعهم عن ذلك، ثم قال للنبي صلى الله عليه وسلم: { فَذَرْهُمْ } ، يعني خل عنهم، يعني كفار مكة، { وَمَا يَفْتَرُونَ } [آية: 112] من الكذب.

{ وَلِتَصْغَيۤ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ } ، يعني ولتميل إلى ذلك الزخرف والغرور قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة، يعني الذين لا يصدقون بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال، { وَلِيَرْضَوْهُ } ، يعني وليحبوه، { وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ } [آية: 113]، يعني ليعملوا من المعاصي ما هم عاملون.

{ أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً } ، فليس أحد أحسن قضاء من الله في نزول العذاب ببدر، { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ ٱلْكِتَابَ مُفَصَّلاً } ، يعني القرآن حلاله وحرامه، وكل شيء مفصلاً، يعني مبيناً فيه أمره ونهيه، { وَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِٱلْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ } [آية: 114].