الرئيسية - التفاسير


* تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱتَّبِعْ مَآ أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكُواْ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ } * { وَلاَ تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَسُبُّواْ ٱللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَٰنِهِمْ لَئِن جَآءَتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا ٱلآيَٰتُ عِندَ ٱللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَٰرَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ }

{ ٱتَّبِعْ مَآ أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } ، وذلك حين دُعى النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملة آبائه، فأنزل الله عز وجل: { ٱتَّبِعْ مَآ أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } { لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْمُشْرِكِينَ } [آية: 106]، يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: أعرض عنهم إذا أشركوا.

{ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكُواْ } ، يقول: ولو شاء الله لمنعهم من الشرك، { وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً } ، يعني رقيباً إن لم يوحدوا، { وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ } [آية: 107]، يعني بمسيطر، فنسختها آية السيف.

{ وَلاَ تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يذكرون أوثان أهل مكة بسوء، فقالوا: لينتهين محمد عن شتم آلهتنا أو لنسبن ربه، فنهى الله المؤمنين عن شتم آلهتهم فيسبوا ربهم؛ لأنهم جهلة بالله، وأنزل الله: { وَلاَ تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } يعني يعبدون من دون الله من الآلهة { فَيَسُبُّواْ ٱللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ } يعلمونه أنهم يسبون الله، يعني أهل مكة، { كَذَلِكَ } ، يعني هكذا { زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ } ، يعني ضلالتهم، { ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ مَّرْجِعُهُمْ } في الآخرة، { فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [آية: 108].

فلما نزلت هذه الآية، قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: " لا تسبوا ربكم " فأمسك المسلمون عند ذلك عن شتم آلهتهم، { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ } ، فمن حلف بالله فقد اجتهد في اليمين، وذلك أن كفار مكة حلفوا للنبي صلى الله عليه وسلم، { لَئِن جَآءَتْهُمْ آيَةٌ } كما كانت الأنبياء تجئ بها إلى قومهم، { لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا } ليؤمنن بالآية، قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: { قُلْ إِنَّمَا ٱلآيَاتُ عِندَ ٱللَّهِ } ، إن شاء أرسلها وليست بيدي، { وَمَا يُشْعِرُكُمْ } وما يدريكم { أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ } [آية: 109]، يعني لا يصدقون، لما سبق في علم الله من الشقاء.

{ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ } ، يعني قلوبهم، { وَأَبْصَارَهُمْ } عن الإيمان، { كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ } ، يقول: كما لم يؤمن بها أوائلهم من الأمم الخالية بما سألوا من الآيات قبلها، فكذلك كفار أهل مكة لا يصدقون بها إن جاءتهم آية، ثم قال: { وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } [آية: 110]، يعني في ضلالتهم يترددون، لا نخرجهم منها أبداً.