الرئيسية - التفاسير


* تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ ٱلْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَٰتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَٰنَهُ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ } * { بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَٰحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } * { ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ خَٰلِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَٱعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } * { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَٰرُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَٰرَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ } * { قَدْ جَآءَكُمْ بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ } * { وَكَذٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }

{ وَجَعَلُواْ } يعني وصفوا { للَّهِ } الذي خلقهم فى التقديم { شُرَكَآءَ ٱلْجِنَّ } من الملائكة، وذلك أن جهينة، وبنى سلمة، وخزاعة وغيرهم، قالوا: إن حياً من الملائكة يقال لهم: الجن بنات الرحمن، فقال الله: { وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ } ، يعني وتخرصوا، يعني يخلقوا لله { بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ } يعلمونه أن له بنين وبنات، وذلك أن اليهود، قالوا: عزير ابن الله، وقالت النصارى: المسيح ابن الله، وقالت العرب: الملائكة بنات الله، يقول الله: { سُبْحَانَهُ } نزه نفسه عما قالوا من البهتان، ثم عظم نفسه، فقال: { وَتَعَالَىٰ } ، يعني وارتفع { عَمَّا يَصِفُونَ } [آية: 100]، يعني يقولون من الكذب.

فعظم نفسه وأخبر عن قدرته، فقال: { بَدِيعُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } ، لم يكونا فابتدع خلقهما، ثم قال: { أَنَّىٰ } ، يعني من أين { يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَاحِبَةٌ } ، يعني زوجة، { وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ } ، يعني من الملائكة، وعزير، وعيسى، وغيرهم فهم خلقه وعباده وفى ملكه، ثم قال: { وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [آية: 101].

ثم دل على نفسه بصنعه ليوحدوه، فقال: { ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ } الذي ابتدع خلقهما وخلق كل شيء ولم يكن له صاحبة ولا ولد، ثم وحد نفسه إذ لم يوحده كفار مكة، فقال: { لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَٱعْبُدُوهُ } ، يعني فوحدوه، { وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } [آية: 102]، وهو رب كل شىء ذكر من بنين وبنات وغيرهم.

ثم عظم نفسه، فقال: { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَارُ } ، يقول: لا يراه الخلق فى الدنيا، { وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَارَ } ، وهو يرى الخلق فى الدنيا، { وَهُوَ ٱللَّطِيفُ } لطف علمه وقدرته حين يراهم فى السموات والأرض، { ٱلْخَبِيرُ } [آية: 103] بمكانهم.

{ قَدْ جَآءَكُمْ } يا أهل مكة، { بَصَآئِرُ } ، يعني بيان { مِن رَّبِّكُمْ } ، يعني القرآن، نظيرها فى الأعراف، { فَمَنْ أَبْصَرَ } إيماناً بالقرآن، { فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ } عن إيمان بالقرآن، { فَعَلَيْهَا } ، يعني فعلى نفسه، { وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ } [آية: 104]، يعني برقيب، يعني محمد صلى الله عليه وسلم.

{ وَكَذٰلِكَ } ، يعني وهكذا { نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ } فى أمور شتى، يعني ما ذكر، { وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ } ، يعني قابلت ودرست، يعني تعلمت من غيرك يا محمد، فأنزل الله: { وَكَذٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ }؛ لئلا يقولوا: درست وقرأت من غيرك، { وَلِنُبَيِّنَهُ } ، يعني القرآن، { لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } [آية: 105].