الرئيسية - التفاسير


* تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) مصنف و مدقق


{ يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ ٱللَّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَخَافُهُ بِٱلْغَيْبِ فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ ٱلْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذٰلِكَ صِيَاماً لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا ٱللَّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ ٱللَّهُ مِنْهُ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ ذُو ٱنْتِقَامٍ } * { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ ٱلْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ ٱلْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }

وقوله سبحانه: { يَـۤأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ ٱللَّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلصَّيْدِ } ، يعنى ببعض الصيد، فخص صيد البر خاصة، ولم يعم الصيد كله؛ لأن للبحر صيداً، { تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ } ، يقول: تأخذون صغار الصيد بأيديكم أخذاً بغير سلاح، ثم قال سبحانه: { وَرِمَاحُكُمْ } ، يعنى وسلاحكم النبل والرماح، بها يصيبون كبار الصيد، وهو عام حبس النبى صلى الله عليه وسلم عن مكة عام الحديبية، وأقام بالتنعيم، فصالحهم على أن يرجع عامه ذلك، ولا يدخل مكة، فإذا كان العام المقبل، أخلوا له مكة فدخلها فى أصحابه، رضى الله عنهم، وأقام بها ثلاثاً، ورضى النبى صلى الله عليه وسلم بذلك، فنحر البدن مائة بدنة، فجاءت السباع والطير تأكل منها، فنهى الله عز وجل عن قتل الصيد فى الحرم، { لِيَعْلَمَ ٱللَّهُ } ، لكى يرى الله، { مَن يَخَافُهُ بِٱلْغَيْبِ } ، يقول: من يخاف الله عز وجل ولم يره، فلم يتناول الصيد، وهو محرم، { فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ } ، يقول: فمن أخذ الصيد عمداً بعد النهى، فقتل الصيد وهو محرم، { فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [آية: 94]، يعنى ضرباً وجيعاً، ويسلب ثيابه، ويغرم الجزاء، وحكم ذلك إلى الإمام، فهذا العذاب الأليم.

قوله سبحانه: { يَـۤأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } ، وذلك أن أبا بشر، واسمه: عمرو بن مالك الأنصارى، كان محرماً فى عام الحديبية بعمرة، فقتل حمار وحش، فنزلت فيه: { لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } { وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً } لقتله ناسياً لإحرامه، { فَجَزَآءٌ } ، يعنى جزاء الصيد، { مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ } ، يعنى من الأزواج الثمانية إن كان قتل عمداً أو خطأ، أو أشار إلى الصيد فأصيب، فعليه الجزاء، { يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ } ، يعنى يحكم بالكفارة رجلان من المسلمين عدلين فقيهين يحكمان فى قاتل الصيد جزاء مثل ما قتل من النعم، إن قتل حمار وحش، أو نعامة، ففيها بعيراً بنحره بمكة، يطعم المساكين ولا يأكل هو ولا أحد من أصحابه، وإن كان من ذوات القرون الأيل والوعل ونحوهما، فجزاؤه أن يذبح بقرة للمساكين، وفى الطير ونحوها جزاؤه أن يذبح شاة مسنة، وفى الحمام شاة، وفى بيض الحمام إذا كان فيه فرخ درهم، وإن لم يكن فيه فرخ، فنصف درهم، وفى ولد الحمار الوحش ولد بعير مثله، وفى ولد النعامة ولد بعير مثله، وفى ولد الأيل والوعل ونحو ولد بقرة مثله، وفى فرخ الحمام ونحوه ولد شاة مثله، وفى ولد الظبى ولد شاة مثله.

{ هَدْياً بَالِغَ ٱلْكَعْبَةِ } ، يعنى ينحر بمكة، كقوله سبحانه فى الحج:ثُمَّ مَحِلُّهَآ إِلَىٰ ٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ } [الحج: 33]، تذبح بأرض الحرم، فتطعم مساكين مكة، { أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ } ، لكل مسكين نصف صاع حنطة، { أَو عَدْلُ ذٰلِكَ صِيَاماً } ، يقول: إن لم يقدر على الهدى ولا على ثمنه، ولا على إطعام المساكين، فليصم مكان كل مسكين يوماً، ينظر ثمن الهدى فيجعله دراهم، ثم ينظر كم يبلغ الطعام بتلك الدراهم بسعر مكة، فيصوم مكان كل مسكين يوماً، وبكل مسكين نصف صاع حنطة، { لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ } ، يعنى جزاء ذنبه، يعنى الكفارة عقوبة له بقتله الصيد، { عَفَا ٱللَّهُ عَمَّا سَلَف } ، يقول: عفا الله عما كان منه قبل التحريم، يقول: تجاوز الله عما صنع فى قتله الصيد متعمداً قبل نزول هذه الآية، { وَمَنْ عَادَ } بعد النهى إلى قتل الصيد، { فَيَنْتَقِمُ ٱللَّهُ مِنْهُ } بالضرب والفدية وينزع ثيابه، { وَٱللَّهُ عَزِيزٌ } ، يعنى منيع فى ملكه، { ذُو ٱنْتِقَامٍ } [آية: 95] من أهل معصيته فيمن قتل الصيد، نزلت هذه الآية قبل الآية الأولى: { فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ }.

السابقالتالي
2