الرئيسية - التفاسير


* تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱبْنَيْ ءَادَمَ بِٱلْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ ٱلآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ } * { لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَآ أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ } * { إِنِّيۤ أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ وَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلظَّالِمِينَ } * { فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } * { فَبَعَثَ ٱللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي ٱلأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـٰذَا ٱلْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلنَّادِمِينَ } * { مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي ٱلأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِٱلّبَيِّنَٰتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ بَعْدَ ذٰلِكَ فِي ٱلأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ }

{ وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱبْنَيْ آدَمَ } ، يقول: اتل يا محمد على أهل مكة نبأ ابنى آدم، { بِٱلْحَقِّ } ليعرفوا نبوتك، يقول: اتل عليهم حديث ابنى آدم هابيل وقابيل، وذلك أن حواء ولدت فى بطن واحد غلاماً وجارية، قابيل وإقليما، ثم ولدت فى البطن الآخر غلاماً وجارية، هابيل وليوذا، وكانت أخت قابيل أحسن من أخت هابيل، فلما أدركا، قال آدم، عليه السلام، ليتزوج كل واحد منهما أخت الآخر، قال قابيل: لكن يتزوج كل واحد منهما أخته التى ولدت معه، قال آدم، عليه السلام: قربا قرباناً، فأيما تقبل قربانه كان أحق بهذه الجارية.

وخرج آدم، عليه السلام، إلى مكة، فعمد قابيل، وكان صاحب زرع، فقرب أخبث زرعه البر المأكول فيه الزوان، وكان هابيل صاحب ماشية، فعمد فقرب خير غنمه مع زبد ولبن، ثم وضعا القربان على البجل، وقاما يدعوان الله عز وجل، فنزلت نار من السماء، فأكلت قربان هابيل، وتركت قربان قابيل، فحسده قابيل، فقال لهابيل: لأقتلنك، قال هابيل: يا أخى، لا تلطخ يدك بدم برئ، فترتكب أمراً عظيماً، إنما طلبت رضا والدى ورضاك، فلا تفعل، فإنك إن فعلت أخزاك الله بقتلك إياى بغير ذنب ولا جرم، فتعيش فى الدنيا أيام حياتك فى شقوة ومخافة فى الأرض، حتى تكون من الخوف والحزن أدق من شعر رأسك، ويجعلك إلهى معلوناً.

فلم يزل يحاوره حتى انتصف النهار، وكان فى آخر مقالة هابيل لقابيل: إن أنت قتلتنى كنت أول من كتب عليه الشقاء، وأول من يساق إلى النار من ذرية والدى، وكنت أنا أول شهيد يدخل الجنة، فغضب قابيل، فقال: لا عشت فى الدنيا، ويقال: قد تقبل قربانه ولم يتقبل قربانى، فقال له هابيل: فتشقى آخر الأبد، فغضب عند ذلك قابيل، فقتله بحجر دق رأسه، وذلك بأرض الهند عشية، وآدم، عليه السلام، بمكة، فذلك قوله عز وجل: { إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ ٱلآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ } [آية: 27].

{ لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَآ أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ } [آية: 28]، { إِنِّيۤ أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ وَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلظَّالِمِينَ } [آية: 29]، { فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ } ، يقول: فزينت له نفسه قتل أخيه، { فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } [آية: 30].

قال: وكان هابيل قال لأخيه قابيل: { لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي... } إلى قوله: { بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ } ، يعنى أن ترجع بإثمى بقتلك إياى، وإثمك الذى عملته قبل قتلى، { فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ وَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلظَّالِمِينَ } ، يعنى جزاء من قتل نفساً بغير جرم، فلما قتله عشية من آخر النهار، لم يدر ما يصنع، وندم ولم يكن يومئذ على الأرض بناء ولا قبر، فحمله على عاتقه، فإذا أعيى وضعه بين يديه، ثم ينظر إليه ويبكى ساعة، ثم يحمله، ففعل ذلك ثلاثة أيام.

السابقالتالي
2