الرئيسية - التفاسير


* تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَىٰ فَتْرَةٍ مِّنَ ٱلرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَآءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَآءَ وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً وَآتَاكُمْ مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن ٱلْعَٱلَمِينَ } * { يَٰقَوْمِ ٱدْخُلُوا ٱلأَرْضَ ٱلمُقَدَّسَةَ ٱلَّتِي كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَٰسِرِينَ } * { قَالُوا يَامُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ } * { قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمَا ٱدْخُلُواْ عَلَيْهِمُ ٱلْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى ٱللَّهِ فَتَوَكَّلُوۤاْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } * { قَالُواْ يَامُوسَىۤ إِنَّا لَنْ نَّدْخُلَهَآ أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاۤ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } * { قَالَ رَبِّ إِنِّي لاۤ أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَٱفْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ } * { قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي ٱلأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ }

{ يَا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ } ، يعنى اليهود، منهم: رافع بن أبى حريملة، ووهب بن يهوذا، { قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا } محمد صلى الله عليه وسلم، { يُبَيِّنُ لَكُمْ } الدين، { عَلَىٰ فَتْرَةٍ مَّنَ ٱلرُّسُلِ } فيها تقديم، وكان بين محمد وعيسى، صلى الله عليهما وسلم، ستمائة سنة، { أَن تَقُولُواْ } ، يعنى لئلا تقولوا: { مَا جَآءَنَا مِن بَشِيرٍ } بالجنة، { وَلاَ نَذِيرٍ } من النار، يقول: { فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ } ، يعنى النبى صلى الله عليه وسلم، { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [آية: 19]، إذ بعث محمداً رسولاً.

{ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ } ، وهم بنو إسرائيل، { يَاقَوْمِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } ، يعنى بالنعمة، { إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ } السبعين الذى جعلهم الله، { أَنْبِيَآءَ } بعد موسى وهارون، وبعدما أتاهم الله بالصاعقة، { وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً } ، يعنى أغنياء، بعضكم عن بعض، فلا يدخل عليه أحد إلا بإذنه بمنزلة الملوك فى الدنيا، ثم قال: { وَآتَاكُمْ } ، يعنى وأعطاكم، { مَّا لَمْ يُؤْتِ } ، يعنى ما لم يعط { أَحَداً مِّن ٱلْعَالَمِينَ } [آية: 20]، يعنى الخير والتوراة، وما أعطاكم الله عز وجل فى التيه من المن والسلوى، وما ظلل عليهم من الغمام وأشباه ذلك مما فضلوا به على غيرهم.

فقال موسى: { يَاقَوْمِ } بنى إسرائيل، { ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ } ، يعنى المطهرة { الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } ، يعنى التى أمركم الله عز وجل أن تدخلوها وهى أريحا أرض الأردن وفلسطين، وهما من الأرض المقدسة، { وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ } ، يعنى ولا ترجعوا ورائكم بترككم الدخول، { فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ } [آية: 21]، يعنى فترجعوا خاسرين.

وذلك أن الله عز وجل قال لإبراهيم، عليه السلام، وهو بالأرض المقدسة: إن هذه الأرض التى أنت بها اليوم هى ميراث لولدك من بعدك، فلما أخرج الله عز وجل موسى، عليه السلام، من مصر مع بنى إسرائيل، وقطعوا البحر، وأعطوا التوراة، أمرهم موسى أن يدخلوا الأرض المقدسة، فساروا حتى نزلوا على نهر الأردن فى جبل أريحا، وكان فى أريحا ألف قرية، فى كل قرية ألف بستان، وجبنوا أن يدخلوها، فبعث موسى، عليه السلام، اثنى عشر رجلاً، من كل سبط رجلاً، يأتونه بخبر الجبارين، وأمرهم أن يأتوه منها بالثمرة.

فلما أتوها خرج إليهم عوج بن عناق بنت آدم، فاحتملهم ومتاعهم بيده حتى وضعهم بين يدى الملك بانوس بن سشرون، فنظر إليهم، فأمر بقتلهم، فقالت امرأته: أيها الملك، أنعم على هؤلاء المساكين، فدعهم فليرجعوا وليأخذوا طريقاً غير الذى جاءوا فيه، فأرسلهم لها، فأخوا عنقوداً من كرومهم، وحملوه على عمودين بين رجلين، وعجزوا عن حمله، وحملوا رمانتين على بعض دوابهم، فعجزت الدابة عن حملهما حتى أتوا به أصحابهم وهم بواد يقال له: جبلان، فسموا ذلك المنزل وادى العنقود.

{ قَالُوا يَامُوسَىٰ } وجدناها أرضاً مباركة تفيض لبناً وعسلاً كما عهد الله عز وجل إليك، ولكن { إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ } ، يعنى قتالين أشداء يقتل الرجل منهم العصابة منا، فإن كان الله عز وجل أراد أن يجعلها لنا منزلاً وسكناً، فليسلطك عليهم فتقتلهم وإلا فليس لنا بهم قوة، وحصنهم منيع، فتتابع على ذلك منهم عشرة، فقالوا لموسى: { إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ } ، طول كل رجل منهم سبعة أذرع ونصف من بقايا قوم عاد، وكان عوج بن عناق بنت آدم فيهم، { وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُواْ مِنْهَا } ، وهى أريحا، { فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ } [آية: 22].

السابقالتالي
2 3