الرئيسية - التفاسير


* تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) مصنف و مدقق


{ يَوْمَ يَجْمَعُ ٱللَّهُ ٱلرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَآ أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ } * { إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ تُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ ٱلطِّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِىءُ ٱلأَكْمَهَ وَٱلأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ ٱلْمَوتَىٰ بِإِذْنِيِ وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ فَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } * { وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى ٱلْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوۤاْ آمَنَّا وَٱشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ } * { إِذْ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ قَالَ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ } * { قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ ٱلشَّاهِدِينَ } * { قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ ٱللَّهُمَّ رَبَّنَآ أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنْكَ وَٱرْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ } * { قَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّيۤ أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِّنَ ٱلْعَالَمِينَ } * { وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ } * { مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَآ أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } * { إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }

قوله سبحانه: { يَوْمَ يَجْمَعُ ٱللَّهُ ٱلرُّسُلَ } ، يعنى الأنبياء، عليهم السلام، { فَيَقُولُ مَاذَآ أُجِبْتُمْ } فى التوحيد، { قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَآ } ، وذلك أول ما بعثوا عند زفرة جهنم؛ لأن الناس إذا خرجوا من قبورهم تاهت عقولهم، فجالوا فى الدنيا ثلاثين سنة، ويقال: أربعين سنة، ثم ينادى مناد عند صخرة بيت المقدس: يا أهل الدنيا، ها هنا موضع الحساب، فيسمع النداء جميع الناس، فيقبلون نحو الصوت، فإذا اجتمعوا ببيت المقدس، زفرت جهنم زفرة لا يبقى ملك مقرب ولا نبى مرسل إلا ظن أنه لو جاء بعمل سبعين نبياً ما نجا، فعند ذلك تاهت عقولهم، فيقول لهم عند ذلك، يعنى المرسلين: { مَاذَآ أُجِبْتُمْ } فى التوحيد، { قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَآ } { إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ } [آية: 109]، ثم رجعت عقولهم بعد ذلك إليهم، فشهدوا على قومهم أنهم قد بلغوا الرسالة عن ربهم، فذلك قوله سبحانه:وَيَقُولُ ٱلأَشْهَادُ } يعنى الأنبياء،هَـٰؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمْ } [هود: 18].

قوله سبحانه: { إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ } فى الآخرة، { ٱذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ } ، يعنى مريم، عليهما السلام، { إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ } ، فالنعمة على عيسى حين أيده بروح القدس، يعنى جبريل، عليه السلام، { تُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْمَهْدِ } صبياً { وَ } تكلمهم { وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ ٱلْكِتَابَ } ، يعنى خط الكتاب بيده، { وَٱلْحِكْمَةَ } ، يعنى الفهم والعلم، { وَٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ } ، يعنى علم التوراة والإنجيل، وجعله نبياً ورسولاً إلى بنى إسرائيل، { وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ ٱلطِّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ } ، يعنى الخفاش، { بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا } ، يعنى فى الهيئة، { فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِىءُ ٱلأَكْمَهَ } ، يعنى الأعمى الذى يخرج من بطن أمه أعمى، { وَ } يبرئ { وَٱلأَبْرَصَ } ، يمسحها بيده فيبرئها { بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ ٱلْمَوتَىٰ بِإِذْنِيِ } أحياء، { وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَنكَ } ، أى عن قتلك، { إِذْ جِئْتَهُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ } ، وهى إحياء سام بن نوح بإذن الله.

فيقوم عيسى صلى الله عليه وسلم يوم القيامة بهؤلاء الكلمات خطيباً على رءوس الخلائق، ويخطب إبليس، لعنه الله، على أهل النار بهذه الآية:إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ... } إلى قوله:بِمُصْرِخِكُمْ } يعنى بمانعكم من العذاب،وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ } يعنى بمانعى من العذاب،إِنِّي كَفَرْتُ } يعنى تبرأتبِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ } [إبراهيم: 22]، أى فى الدار الدنيا، وأما النعمة على مريم، عليها السلام، فهى أنه اصطفاها، يعنى اختارها، وطهرها من الإثم، واختارها على نساء العالمين، وجعلها زوجة محمد صل الله عليه وسلم فى الجنة.

قوله سبحانه: { تُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْمَهْدِ } ، يعنى تكلم بنى إسرائيل صبياً فى المهد حين جاءت به أمه تحمله، ويكلمهم كهلاً حين اجتمع واستوت لحيته، { وَإِذْ عَلَّمْتُكَ ٱلْكِتَابَ } ، يعنى خط الكتاب بيده، { وَٱلْحِكْمَةَ } ، يعنى الفهم والعلم، وإذ علمتك التوراة والإنجيل، { وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ ٱلطِّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ } ، يعنى الخفاش، { فَتَنفُخُ فِيهَا } ، يعنى فى الهيئة، { فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِىءُ ٱلأَكْمَهَ } الذى يخرج من بطن أمه أعمى، فكان عيسى، عليه السلام، يرد إليه بصره بإذن الله تعالى، فيمسح بيده عليه، فإذا هو صحيح بإذن الله، وأحيا سام بن نوح بإذن الله، حيث كلمه الناس، ثم مات فعاد كما كان، { وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَنكَ } ، يعنى عن قتلك حين رفعه الله عز وجل إليه، وقتل شبيهه، وهو الرقيب الذى كان عليه، { إِذْ جِئْتَهُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ } ، يعنى بالعجائب التى كان يصنعها من إبراء الأكمه والأبرص والموتى والطير ونحوه.

السابقالتالي
2 3 4