الرئيسية - التفاسير


* تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) مصنف و مدقق


{ فَمَآ أُوتِيتُمْ مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ لِلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } * { وَٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ } * { وَٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } * { وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَهُمُ ٱلْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ } * { وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَلَمَنِ ٱنتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِّن سَبِيلٍ } * { إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَظْلِمُونَ ٱلنَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ }

{ فَمَآ أُوتِيتُمْ مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } ، تتمتعون بها قليلاً، { وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ } مما أوتيتم فى الدنيا، { وَأَبْقَىٰ } وأدام { لِلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } [آية: 36]، يعنى وبربهم يثقون.

ثم نعتهم، فقال: { وَٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ } ، يقول: كل ذنب يختم بنار، { وَٱلْفَوَاحِشَ } ، ما يقام فيه الحد فى الدنيا، { وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ } [آية: 37]، يعنى يتجاوزون عن ظلمهم، فيكظمون الغيظ ويعفون، نزلت فى عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن فرط بن رازح بن عدى بن لؤى حين شتم بمكة، فذلك قوله:قُل لِّلَّذِينَ آمَنُواْ يَغْفِرُواْ } الجاثية: 14]، يعنى يتجاوزوا عن الذينلاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ ٱللَّهِ... } [الجاثية: 14].

وقال: { وَٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمْ } ، فى الإيمان، { وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ } ، يقول: وأتموا الصلوات الخمس، نزلت فى الأنصار، داوموا عليها، { وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ } ، قال: كانت قبل الإسلام، وقبل قدوم النبى صلى الله عليه وسلم المدينة، إذا كان بينهم أمر، أو أرادوا أمراً، اجتمعوا فتشاوروا بينهم، فأخذوا به، فأثنى الله عليهم خيراً ثم قال: { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ } من الأموال، { يُنفِقُونَ } [آية: 38] فى طاعة الله.

قال: { وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَهُمُ ٱلْبَغْيُ } ، يعنى الظلم، { هُمْ يَنتَصِرُونَ } [آية: 39]، يعنى المجروح ينتصر من الظالم، فيقتص منه.

{ وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } ، أن يقتص منه المجروح كما أساء إليه، ولا يزيد شيئاً، { فَمَنْ عَفَا } ، يعنى فمن ترك الجارح ولم يقتص، { وَأَصْلَحَ } العمل كان العفو من الأعمال الصالحة، { فَأَجْرُهُ عَلَى ٱللَّهِ } ، قال: جزاؤه على الله، { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ } [آية: 40]، يعنى من بدأ بالظلم والجراءة.

ثم قال: { وَلَمَنِ ٱنتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ } ، يقول: إذا انتصر المجروح، فاقتص من الجارح، { فَأُوْلَـٰئِكَ مَا عَلَيْهِمْ } ، يعنى على الجارح، { مِّن سَبِيلٍ } [آية: 41]، يعنى العدوان، حين انتصر من الجارح.

{ إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ } ، يعنى العدوان، { عَلَى ٱلَّذِينَ يَظْلِمُونَ ٱلنَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } ، يقول: يعملون فيها بالمعاصى، { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [آية: 42]، يعنى وجيع.

ثم بين أن الصبر والتجاوز أحب إلى الله وأنفع لهم من غيره، ثم رجع إلى المجروح، فقال: { وَلَمَن صَبَرَ } ولم يقتص، { وَغَفَرَ } وتجاوز، فـ { إِنَّ ذَلِكَ } الصبر والتجاوز، { لَمِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } [آية: 43]، يقول: من حق الأمور التى أمر الله عز وجل بها.