الرئيسية - التفاسير


* تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أعْجَمِيّاً لَّقَالُواْ لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ءَاعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِيۤ آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَـٰئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } * { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ فَٱخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ } * { مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـٰمٍ لِّلْعَبِيدِ } * { إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَىٰ وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَآئِي قَالُوۤاْ آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ }

قوله: { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أعْجَمِيّاً } ، وذلك أن كفار قريش كانوا إذا رأوا النبي صلى الله عليه وسلم يدخل على يسار أبي فكيهة اليهودي، وكان أعجمي اللسان، غلام عامر بن الحضرمي القرشي يحدثه، قالوا: ما يعلمه إلا يسار أبو فكيهة، فأخذه سيده فضربه، وقال له: إنك تعلم محمداً صلى الله عليه وسلم، فقال يسار: بل هو يعلمني، فأنزل الله عز وجل: { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أعْجَمِيّاً } ، يقول: بلسان العجم، { لَّقَالُواْ } ، لقال كفار مكة: { لَوْلاَ فُصِّلَتْ } ، يقول: هلا بينت { آيَاتُهُ } بالعربية حتى نفقه ونعلم ما يقول محمد، { ءَاعْجَمِيٌّ } ، ولقالوا: إن القرآن أعجمي أنزل على محمد، { وَ } وهو { وَعَرَبِيٌّ قُلْ } نزله الله عربياً لكي يفقهوه، ولا يكون لهم علة، يقول الله تعالى: { هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى } من الضلالة، { وَشِفَآءٌ } لما في القلوب للذي فيه من التبيان، ثم قال: { وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } بالآخرة، يعني لايصدقون بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال، { فِيۤ آذَانِهِمْ وَقْرٌ } يعني ثقل، فلا يسمعون الإيمان بالقرآن، { وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى } ، يعني عموا عنه، يعني القرآن، فلم يبصروه ولم يفقهوه، { أُوْلَـٰئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } [آية: 44] إلى الإيمان بأنه غير كائن؛ لأنهم صم عنه، وعمي، وفي آذانهم وقر.

قوله: { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ } ، يقول: أعطينا موسى التوراة، { فَٱخْتُلِفَ فِيهِ } ، يقول: فكفر به بعضهم، { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ } ، وهى كلمة الفصل بتأخير العذاب عنهم إلى أجل مسمى، يعني يوم القيامة، يقول: لولا ذلك الأجل، { لَقُضِيَ } ، يعني بين الذين آمنوا وبين الذين اختلفوا وكفروا بالكتاب، لولا ذلك الأجل، لنزل بهم العذاب في الدنيا، { بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ } ، يعني من الكتاب، { مُرِيبٍ } [آية: 45]، يعني أنهم لا يعرفون شكهم.

ثم قال: { مَّنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ } العمل، { فَعَلَيْهَا } ، يقول: إساءته على نفسه، { وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } [آية: 46].

{ إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ } ، وذلك " أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: أخبرنا عن الساعة، فإن كنت رسولاً كما زعمت علمتها، وإلا علمنا أنك لست برسول، ولا نصدقك، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يعلمها إلا الله، أرد علمها إلى الله " ، فقال الله عز وجل للنبي صلى الله عليه وسلم: فإن كنت رددت علمها، يعني علم الساعة إلى الله، فإن الملائكة والخلق كلهم ردوا علم الساعة " ، يعني القيامه، إلى الله عز وجل، { وَ } يعلم { وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا } ، يعني من أجوافها، يعني الطلع، { وَ } يعلم { وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَىٰ } ذكراً أو أنثى، سوياً وغير سوي، يقول: { وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ } ، يقول: لا تحمل المرأة الولد، ولا تضعه إلا بعلمه، { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَآئِي قَالُوۤاْ آذَنَّاكَ } ، يقول: أسمعناك، كقوله:وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا } [الانشقاق: 2]، يقول: سمعت لربها، { مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ } [آية: 47] يشهد بأن لك شريكاً، فتبرءوا يومئذ من أن يكون مع الله شريك.