الرئيسية - التفاسير


* تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَآءَ فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ فِيۤ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ } * { فَلَنُذِيقَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَذَاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { ذَلِكَ جَزَآءُ أَعْدَآءِ ٱللَّهِ ٱلنَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخُلْدِ جَزَآءً بِمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ } * { وَقَال الَّذِينَ كَفَرُواْ رَبَّنَآ أَرِنَا ٱلَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا مِنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ ٱلأَسْفَلِينَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ }

قال: { وَقَيَّضْنَا لَهُمْ } في الدنيا { قُرَنَآءَ } من الشياطين، يقول: وهيأنا لهم قرناء في الدنيا، { فَزَيَّنُواْ لَهُم } ، يقول: فحسنوا لهم، كقوله:كَذٰلِكَ زُيِّنَ } [يونس: 12]، يقول: حسن { مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } ، يعني من أمر الآخرة، وزينوا لهم التكذيب بالبعث والحساب والثواب والعقاب أن ذلك ليس بكائن، { وَ } زينوا لهم { وَمَا خَلْفَهُمْ } من الدنيا، فحسنوه في أعينهم، وحببوها إليهم حتى لا يعلموا خيراً، { وَحَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ } ، يعني وجب عليهم العذاب، { فِيۤ أُمَمٍ } ، يعني مع أمم، { قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ } ، يعني من قبل كفار مكة، { مِّنَ } كفار { ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ } من الأمم الخالية، { إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ } [آية: 25].

{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } ، يعني الكفار، { لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ } [آية:........]ـ، إلى ثلاث آيات، وهذا قول أبى جهل، وأبي سفيان لكفار قريش، قالوا لهم: إذا سمعتم القرآن من محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فارفعوا أصواتكم بالأشعار والكلام في وجوههم، حتى تلبسوا عليهم قولهم فيسكتون، فذلك قوله: { وَٱلْغَوْاْ فِيهِ } بالأشعار والكلام، { لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ } [آية: 26]، يعني لكي تغلبونهم فيسكتون.

فأخبر الله تعالى بمستقرهم في الآخرة، فقال: { فَلَنُذِيقَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَذَاباً شَدِيداً } ، يعني أبا جهل وأصحابه، { وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [آية: 27] من الشرك.

{ ذَلِكَ } العذاب { جَزَآءُ أَعْدَآءِ ٱللَّهِ ٱلنَّارُ } ، يعني أبا جهل وأصحابه، { لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخُلْدِ } لا يموتون، { جَزَآءً بِمَا كَانُوا بِآياتِنَا } ، يعني بآيات القرآن، { يَجْحَدُون } [آية: 28] أنه ليس من الله تعالى، وقد عرفوا أن محمداً صلى الله عليه وسلم صادق في قوله، ونزل في أبي جهل بن هشام، وأبي بن خلف:إِنَّ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيۤ آيَاتِنَا لاَ يَخْفَوْنَ... } [فصلت: 40] الآية.

{ وَقَال الَّذِينَ كَفَرُواْ رَبَّنَآ أَرِنَا ٱلَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا مِنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ }؛ لأنهما أول من أقاما على المعصية من الجن إبليس، ومن الإنس ابن آدم قاتل هابيل رأس الخطيئة، { نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا } ، يعني من أسفل منا في النار، { لِيَكُونَا مِنَ ٱلأَسْفَلِينَ } [آية: 29] في النار.

ثم أخبر عن المؤمنين، فقال: { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ } ، فعرفوه، { ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ } على المعرفة، ولم يرتدوا عنها، { تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ } في الآخرة من السماء، وهم الحفظة، { أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } [آية: 30] وذلك أن المؤمن إذا خرج من قبره، فينفض رأسه، وملكه قائم على رأسه يسلم عليه، فيقول الملك للمؤمن: أتعرفنى؟ فيقول: لا، فيقول: أنا الذي كنت أكتب عملك الصالح، فلا تخف ولا تحزن، وأبشر بالجنة التي كنت توعد، وذلك أن الله وعدهم على ألسنة الرسل في الدنيا الجنة.