الرئيسية - التفاسير


* تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوۤاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } * { وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَـٰكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ } * { وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ ٱلَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِّنَ ٱلُخَاسِرِينَ } * { فَإِن يَصْبِرُواْ فَٱلنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ فَمَا هُم مِّنَ ٱلْمُعْتَبِينَ }

فلما شهدت عليهم الجوارح، { وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ } ، قالت الألسن للجوارح: { لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا } ، يعني الجوارح، قالوا: أبعدكم الله، إنما كنا نجاحش عنكم، فلم شهدتم علينا بالشرك، ولم تكونوا تتكلمون في الدنيا، { قَالُوۤاْ } ، قالت الجوارح للألسن: { أَنطَقَنَا ٱللَّهُ } اليوم، { ٱلَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ } من الدواب وغيرها، { وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } ، يعني هو أنطقكم أول مرة من قبلها في الدنيا، قبل أن ننطق نحن اليوم، { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [آية: 21]، يقول: إلى الله تردون في الآخرة، فيجزيكم بأعمالكم، في التقديم.

وذلك أن هؤلاء النفر الثلاثة كانوا في ظل الكعبة يتكلمون، فقال أحدهما: هل يعلم الله ما تقول؟ فقال الثاني: إن خفضنا لم يعلم، وإن رفعنا علمه، فقال الثالث: إن كان الله يسمع إذا رفعنا، فإنه يسمع إذا خفضنا، فسمع قولهم عبدالله بن مسعود، فأخبر بقولهم النبى صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله في قولهم: { وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ } ، يعني تستيقنون، وقالوا: تستكتمون، { أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَـٰكِن ظَنَنتُمْ } ، يعني حسبتم، { أَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ } [آية: 22]، يعني هؤلاء الثلاثة، قول بعضهم لبعض: هل يعلم الله ما نقول؟ لقول الأول والثاني والثالث، يقول: حسبتم { أَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ }.

{ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ ٱلَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ } ، يقول: يقينكم الذي أيقنتم بربكم وعلمكم بالله بأن الجوارح لا تشهد عليكم، ولا تنطق، وأن الله لا يخزيكم بأعمالكم الخبيثة، { أَرْدَاكُمْ } ، يعني أهلككم سوء الظن، { فَأَصْبَحْتُمْ مِّنَ ٱلُخَاسِرِينَ } [آية: 23] بظنكم السيىء، كقوله لموسى:فَتَرْدَىٰ } [طه: 16]، يقول فتهلك، { فَأَصْبَحْتُمْ مِّنَ ٱلُخَاسِرِينَ } ، يعني من أهل النار.

{ فَإِن يَصْبِرُواْ } على النار، { فَٱلنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ } ، يعني فالنار مأواهم، { وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ } في الآخرة، { فَمَا هُم مِّنَ ٱلْمُعْتَبِينَ } [آية: 24]، يقول: وإن يستقيلوا ربهم في الآخرة، فما هم من المقالين، لا يقبل ذلك منهم.