الرئيسية - التفاسير


* تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) مصنف و مدقق


{ يَسْأَلُكَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَىٰ أَكْبَرَ مِن ذٰلِكَ فَقَالُوۤاْ أَرِنَا ٱللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ ٱتَّخَذُواْ ٱلْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذٰلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَىٰ سُلْطَاناً مُّبِيناً } * { وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ ٱلطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِي ٱلسَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِّيثَاقاً غَلِيظاً } * { فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ ٱللَّهِ وَقَتْلِهِمُ ٱلأَنْبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } * { وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَىٰ مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً } * { وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ ٱللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً } * { بَل رَّفَعَهُ ٱللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً } * { وَإِن مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً }

{ يَسْأَلُكَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } ، نزلت فى اليهود، وذلك أن كعب بن الأشرف، وفنحاص اليهودى، قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم: إن كنت صادقاً بأنك رسول، فائتنا بكتاب غير هذا، مكتوب فى السماء جملة واحدة كما جاء به موسى، فذلك قوله: { يَسْأَلُكَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ... } إلى قوله سبحانه: { فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَىٰ أَكْبَرَ مِن ذٰلِكَ فَقَالُوۤاْ أَرِنَا ٱللَّهِ جَهْرَةً } ، يعنى معاينة، { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّاعِقَةُ } ، يعنى الموت، { بِظُلْمِهِمْ } لقولهم: أرنا الله جهرة معاينة، { ثُمَّ ٱتَّخَذُواْ ٱلْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ } ، يعنى الآيات التسع، { فَعَفَوْنَا عَن ذٰلِكَ } ، فلم نستأصلهم جميعاً عقوبة باتخاذهم العجل، { وَآتَيْنَا مُوسَىٰ سُلْطَاناً مُّبِيناً } [آية: 153]، يعنى حجة بينة، يعنى اليد والعصى.

{ وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ ٱلطُّورَ } ، يعنى الجبل فوق رءوسهم، رفعه جبريل، عليه السلام، وكانوا فى أصل الجبل، فرفع الطور فوق رءوسهم، { بِمِيثَاقِهِمْ }؛ لأن يقروا بما فى التوراة، { وَقُلْنَا لَهُمُ ٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً } ، يعنى باب حطة، { وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِي ٱلسَّبْتِ } ، أى لا تعدوا فى أخذ الحيتان يوم السبت، { وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِّيثَاقاً غَلِيظاً } [آية: 154]، يعنى شديداً، والميثاق إقرارهم بما عهد الله عز وجل فى التوراة.

{ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مَّيثَاقَهُمْ } ، يعنى فبنقضهم إقرارهم بما فى التوراة، { وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ ٱللَّهِ } ، يعنى الإنجيل والقرآن، وهم اليهود، { وَقَتْلِهِمُ ٱلأَنْبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ } ، وذلك حين سمعوا من النبى صلى الله عليه وسلم: { وَقَتْلِهِمُ ٱلأَنْبِيَآءَ } عرفوا أن الذى قال لهم النبى صلى الله عليه وسلم حق، وقالوا: { قُلُوبُنَا غُلْفٌ } ، يعنى فى أكنة عليها الغطاء، فلا تفقه ولا تفهم ما تقول يا محمد، كراهية ما سمعوا من النبى صلى الله عليه وسلم من كفرهم بالإنجيل والفرقان، يقول الله تعالى: { بَلْ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ } ، يعنى ختم على قلوبهم، { فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } [آية: 155]، يقول: ما أقل ما يؤمنون، فإنهم لا يؤمنون البتة.

{ وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَىٰ مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً } [آية: 156]، وذلك أن اليهود قذفوا مريم، عليها السلام، بيوسف بن ماثان بالزنا، وكان ابن عمها، وكان قد خطبها، ومريم ابنة عمران بن ماثان، { وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ } ، ولم يقولوا: رسول الله، ولكن الله عز وجل قال: { رَسُولَ ٱللَّهِ } ، ثم قال تعالى: { وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ } بصاحبهم الذى قتلوه، وكان الله عز وجل قد جعله على صورة عيسى فقتلوه، وكان المقتول لطم عيسى، وقال لعيسى حين لطمه: أتكذب على الله حين تزعم أنك رسوله، فلما أخذه اليهود ليقتلوه، قال لليهود: لست بعيسى، أنا فلان، واسمه يهوذا، فكذبوه وقالوا له: أنت عيسى، وكانت اليهود جعلت المقتول رقيباً على عيسى صلى الله عليه وسلم، فألقى الله تعالى ذكره شبهه على الرقيب فقتلوه.

السابقالتالي
2