{ يَسْأَلُكَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } ، نزلت فى اليهود، وذلك أن كعب بن الأشرف، وفنحاص اليهودى، قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم: إن كنت صادقاً بأنك رسول، فائتنا بكتاب غير هذا، مكتوب فى السماء جملة واحدة كما جاء به موسى، فذلك قوله: { يَسْأَلُكَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ... } إلى قوله سبحانه: { فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَىٰ أَكْبَرَ مِن ذٰلِكَ فَقَالُوۤاْ أَرِنَا ٱللَّهِ جَهْرَةً } ، يعنى معاينة، { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّاعِقَةُ } ، يعنى الموت، { بِظُلْمِهِمْ } لقولهم: أرنا الله جهرة معاينة، { ثُمَّ ٱتَّخَذُواْ ٱلْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ } ، يعنى الآيات التسع، { فَعَفَوْنَا عَن ذٰلِكَ } ، فلم نستأصلهم جميعاً عقوبة باتخاذهم العجل، { وَآتَيْنَا مُوسَىٰ سُلْطَاناً مُّبِيناً } [آية: 153]، يعنى حجة بينة، يعنى اليد والعصى. { وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ ٱلطُّورَ } ، يعنى الجبل فوق رءوسهم، رفعه جبريل، عليه السلام، وكانوا فى أصل الجبل، فرفع الطور فوق رءوسهم، { بِمِيثَاقِهِمْ }؛ لأن يقروا بما فى التوراة، { وَقُلْنَا لَهُمُ ٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً } ، يعنى باب حطة، { وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِي ٱلسَّبْتِ } ، أى لا تعدوا فى أخذ الحيتان يوم السبت، { وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِّيثَاقاً غَلِيظاً } [آية: 154]، يعنى شديداً، والميثاق إقرارهم بما عهد الله عز وجل فى التوراة. { فَبِمَا نَقْضِهِمْ مَّيثَاقَهُمْ } ، يعنى فبنقضهم إقرارهم بما فى التوراة، { وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ ٱللَّهِ } ، يعنى الإنجيل والقرآن، وهم اليهود، { وَقَتْلِهِمُ ٱلأَنْبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ } ، وذلك حين سمعوا من النبى صلى الله عليه وسلم: { وَقَتْلِهِمُ ٱلأَنْبِيَآءَ } عرفوا أن الذى قال لهم النبى صلى الله عليه وسلم حق، وقالوا: { قُلُوبُنَا غُلْفٌ } ، يعنى فى أكنة عليها الغطاء، فلا تفقه ولا تفهم ما تقول يا محمد، كراهية ما سمعوا من النبى صلى الله عليه وسلم من كفرهم بالإنجيل والفرقان، يقول الله تعالى: { بَلْ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ } ، يعنى ختم على قلوبهم، { فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } [آية: 155]، يقول: ما أقل ما يؤمنون، فإنهم لا يؤمنون البتة. { وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَىٰ مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً } [آية: 156]، وذلك أن اليهود قذفوا مريم، عليها السلام، بيوسف بن ماثان بالزنا، وكان ابن عمها، وكان قد خطبها، ومريم ابنة عمران بن ماثان، { وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ } ، ولم يقولوا: رسول الله، ولكن الله عز وجل قال: { رَسُولَ ٱللَّهِ } ، ثم قال تعالى: { وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ } بصاحبهم الذى قتلوه، وكان الله عز وجل قد جعله على صورة عيسى فقتلوه، وكان المقتول لطم عيسى، وقال لعيسى حين لطمه: أتكذب على الله حين تزعم أنك رسوله، فلما أخذه اليهود ليقتلوه، قال لليهود: لست بعيسى، أنا فلان، واسمه يهوذا، فكذبوه وقالوا له: أنت عيسى، وكانت اليهود جعلت المقتول رقيباً على عيسى صلى الله عليه وسلم، فألقى الله تعالى ذكره شبهه على الرقيب فقتلوه.