الرئيسية - التفاسير


* تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } * { وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ ٱلْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً } * { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذٰلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً } * { إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَٰثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَٰناً مَّرِيداً } * { لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً } * { وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ ءَاذَانَ ٱلأَنْعَٰمِ وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ ٱللَّهِ وَمَن يَتَّخِذِ ٱلشَّيْطَٰنَ وَلِيّاً مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً } * { يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً } * { أُوْلَـٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصاً }

ثم قال سبحانه: { لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ } ، يعنى قوم طعمة قيس بن زيد، وكنانة بن أبى الحقيق، وأبو رافع، وكلهم يهود، حين تناجوا فى أمر طعمة، ثم استثنى، فقال: { إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ } ، يعنى القرض، { أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ ٱبْتَغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } [آية: 114]، يعنى جزاء عظيماً، فأنزل الله عز وجل فى قولهم: { وَمَن يُشَاقِقِ } ، يعنى يخالف { ٱلرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ } ، يعنى غير دين { ٱلْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ } من الآلهة، { وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً } [آية: 115]، يعنى وبئس المصير.

فلما قدم طعمة مكة، نزل على الحجاج ابن علاط السلمى، فأحسن نزله، فبلغه أن فى بيته ذهباً، فلما كان من الليل خرج فنقب حائط البيت، وأراد أن يأخذ الذهب وفى البيت مسوك يا بسة مسوك الشاء قد أصابها حر الشمس ولم تدبغ، فلما دخل البيت من النقب وطئ المسوك، فسمعوا قعقة المسوك فى صدره عند النقب، وأحاطوا بالبيت، ونادوه: اخرج فإنا قد أحطنا بالبيت، فلما خرج إذا هم بضيفهم طعمة، فأراد أهل مكة أن يرجموه فاستحيا الحجاج لضيفه، وكانوا يكرمون الضيف فأهزوه وشتموه، فخرج من مكة، فلحق بحرة بنى سليم يعبد صنمهم، ويصنع ما يصنعون حتى مات على الشرك، فأنزل الله عز وجل فيه: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ } ، يعنى يعدل به، فيموت عليه، { وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذٰلِكَ لِمَن يَشَآءُ } ، يعنى ما دون الشرك لمن يشاء، فمشيئته لأهل التوحيد، { وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ } عن الهدى، { ضَلاَلاً بَعِيداً } [آية: 116].

ثم إن أبا مليك عاش حتى استخلف عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، فحلف بالله لعمر، رضى الله عنه، لا يولى راجعاً، فلما كان يوم القادسية انهزم المشركون إلى الفرات وجاءت أساورة كسرى، فهزموا المسلمين إلى قريب من الجيش، فثبت أبو مليك حتى قتل، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، فقال أبو مليك: صدق الله وعده: { إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً } ، يعنى أوثاناً، يعنى أمواتاً اللات والعزى، وهى الأوثان لا تحرك ولا تضر ولا تنفع، فهى ميتة، { وَإِن يَدْعُونَ } ، يعنى وما يعبدون من دونه، { إِلاَّ شَيْطَاناً } ، يعنى إبليس، زين لهم إبليس طاعته فى عبادة الأوثان { مَّرِيداً } [آية: 117]، يعنى عاتباً تمرد على ربه عز وجل فى المعصية، { لَّعَنَهُ ٱللَّهُ } حين كره السجود لآدم صلى الله عليه وسلم، { وَقَالَ } إبليس لربه جل جلاله: { لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً } [آية: 118]، يعنى حظاً معلوماً من كل ألف إنسان واحد فى الجنة وسائرهم فى النار، فهذا النصيب المفروض.

السابقالتالي
2