الرئيسية - التفاسير


* تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } * { ٱرْكُضْ بِرِجْلِكَ هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ } * { وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَىٰ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } * { وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَٱضْرِب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِّعْمَ ٱلْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } * { وَٱذْكُرْ عِبَادَنَآ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي ٱلأَيْدِي وَٱلأَبْصَارِ } * { إِنَّآ أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى ٱلدَّارِ } * { وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ ٱلْمُصْطَفَيْنَ ٱلأَخْيَارِ } * { وَٱذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَٱلْيَسَعَ وَذَا ٱلْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنَ ٱلأَخْيَارِ } * { هَـٰذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ } * { جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ ٱلأَبْوَابُ } * { مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ }

{ وَٱذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ } يعنى إذ قال لربه: { أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلشَّيْطَانُ } يقول: أصابنى الشيطان { بِنُصْبٍ } يعنى مشقة فى جسده { وَعَذَابٍ } [آية: 41] فى ماله.

{ ٱرْكُضْ } يعنى ادفع الأرض { بِرِجْلِكَ } بأرض الشام، فنبعت عين من تحت قدمه فاغتسل، فيها فخرج منها صحيحاً، ثم مشى أربعين خطوة فدفع برجله الأخرى، فنبعت عن ماء آخرى، ماء عذب بارد شرب منها، فذلك قوله: { هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ } الذى اغتسل فيها، ثم قال: { بَارِدٌ وَشَرَابٌ } [آية: 42] الذى أشرب منه، وكان داود يأكل سبع سنين وسبعة أشهر، وسبعة أيام وسبعة ساعات متتابعات.

{ وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ } فأضعف الله عز وجل له، كان له سبع بنين وثلاث بنات قبل البلاء، وولدت له امرأته بعد البلاء سبع بنين وثلاث بنات، فأضعف الله له { رَحْمَةً } يعنى نعمة { مِّنَّا } ، ثم قال: { وَذِكْرَىٰ } يعنى تفكر { لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } [آية: 43] يعنى أهل اللب العقل.

{ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً } يعنى بالضغث القبضة الواحدة، فأخذ عيدانا رطبة، وهى الأسل مائة عود عدد ما حلف عليه، وكان حلف ليجلدن امرأته مائة جلدة { فَٱضْرِب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ } يعنى ولا تأثم فى يمينك التى حلفت عليها، فعمد إليها فضربها بمائة عود ضربة واحدة فأوجعها فبرئت يمينه، وكان اسمها دنيا، ثم أثنى الله عز وجل على أيوب، فقال: { إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً } على البلاء إضمار { نِّعْمَ ٱلْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } [آية: 44] يعنى مطيعاً لله تعالى، لما برأ أيوب فاغتسل كساه جبريل، عليه السلام، حلة.

{ وَٱذْكُرْ } يا محمد صبر { عِبَادَنَآ إِبْرَاهِيمَ } حين ألقى فى النار { وَ } صبر { وَإِسْحَاقَ } للذبح { وَ } صبر { وَيَعْقُوبَ } فى ذهاب بصره، ولم يذكر إسماعيل بن إبراهيم لأنه لم يبتل، واسم أم يعقوب رفقا، ثم قال: { أُوْلِي ٱلأَيْدِي } يعنى أولى القوة فى العبادة، ثم قال: { وَٱلأَبْصَارِ } [آية: 45] يعنى البصيرة فى أمر الله ودينه.

ثم ذكر الله تعالى هؤلاء الثلاثة إبراهيم وابنية إسحاق ويعقوب بن إسحاق، فقال: { إِنَّآ أَخْلَصْنَاهُمْ } للنبوة والرسالة { بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى ٱلدَّارِ } [آية: 46].

حدثنا أبو جعفر، قال: حدثنا داود بن رشيد، قال: حدثنا الوليد، عن ابن جابر أنه سمع عطاء الخراسانى فى قوله: { أُوْلِي ٱلأَيْدِي وَٱلأَبْصَارِ } قال: القوة فى العبادة والبصر بالدين، { إِنَّآ أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى ٱلدَّارِ } يقول: وجعلناهم أذكر الناس لدار الآخرة يعنى الجنة.

{ وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ ٱلْمُصْطَفَيْنَ ٱلأَخْيَارِ } [آية: 47] اختارهم الله على علم للرسالة { وَٱذْكُرْ } صبر { إِسْمَاعِيلَ } هو أشوبل بن هلقانا { وَ } صبر { وَٱلْيَسَعَ وَ } صبر { وَذَا ٱلْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنَ ٱلأَخْيَارِ } [آية: 48] اختارهم الله عز وجل للنبوة، فاصبر يا محمد على الأذى كما صبر هؤلاء الستة على البلاء.

ثم قال: { هَـٰذَا ذِكْرٌ } يعنى هذا بيان الذى ذكر الله من أمر الأنبياء فى هذه السورة { وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ } من هذه الأمة فى الآخرة { لَحُسْنَ مَآبٍ } [آية: 49] يعنى مرجع { جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ ٱلأَبْوَابُ } [آية: 50].

السابقالتالي
2