ثم عظم نفسه تعالى عما قالوا من الشرك، فقال جل ثناؤه: { إِنَّ ٱللَّهَ يُمْسِكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ أَن تَزُولاَ } يقول: ألا تزولا عن موضعهما { وَلَئِن زَالَتَآ } ولئن أرسلهما فزالتا { إِنْ أَمْسَكَهُمَا } فمن يمسكهما { مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ } الله يقول: لا يمسكهما من أحد من بعده، ثم قال في التقديم: { إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً } عنهم عن قولهم الملائكة بنات الله تعالى حين لا يعجل عليهم بالعقوبة { غَفُوراً } [آية:41] ذو تجاوز. { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ } يعني كفار مكة في الأنعام حين قالوا:{ لَوْ أَنَّآ أُنزِلَ عَلَيْنَا ٱلْكِتَابُ لَكُنَّآ أَهْدَىٰ مِنْهُمْ } [الأنعام: 157] { جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ } بجهد الأيمان { لَئِن جَآءَهُمْ نَذِيرٌ } يعني رسولاً { لَّيَكُونُنَّ أَهْدَىٰ مِنْ إِحْدَى ٱلأُمَمِ } يعني من اليهود والنصارى، يقول الله عز وجل: { فَلَمَّا جَآءَهُمْ نَذِيرٌ } وهو محمد صلى الله عليه وسلم { مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً } [آية: 42] ما زادهم الرسول ودعوته إلا تباعداً عن الهدى عن الإيمان. { ٱسْتِكْبَاراً فِي ٱلأَرْضِ وَمَكْرَ ٱلسَّيِّىءِ } قول الشرك { وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيِّىءُ } ولا يدور قول الشرك { إِلاَّ بِأَهْلِهِ } كقوله عز وجل { وَحَاقَ بِهِم } [هود: 8] ودار بهم الآية، ثم خوفهم، فقال: { فَهَلْ يَنظُرُونَ } ما ينظرون { إِلاَّ سُنَّةَ آلأَوَّلِينَ } مثل عقوبة الأمم الخالية ينزل بهم العذاب ببدر كما نزل بأوائلهم { فَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ } في العذاب { تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَحْوِيلاً } [آية: 43] لا يقدر أحد أن يحول العذاب عنهم. ثم قال جل وعز يعظهم: { أَوَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } عاد، وثمود، وقوم لوط { وَكَانُوۤاْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً } بطشاً، فأهلكناهم { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعْجِزَهُ } ليفوته { مِن شَيْءٍ } من أحد، كقوله عز وجل:{ وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ } [الممتحنة: 11]، قوله جل وعز في يس: { وَمَآ أَنَزلَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مِن شَيْءٍ } [يس: 15] يعني من أحد، يقول: لا يسبقه من أحد كان{ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ } فيفوته أحد كان في السماوات أو في الأرض حتى يجزيه بعمله { إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً } بهم { قَدِيراً } [آية: 44] في نزول العذاب بهم إذا شاء. { وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ } كفار مكة { بِمَا كَسَبُواْ } من الذنوب وهو الشرك لعجل لهم العقوبة، فذلك قوله عز وجل: { مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ } فوق الأرض من دابة لهلكت الدواب من قحط المطر { وَلَـٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } إلى الوقت الذي في اللوح المحفوظ { فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ } وقت نزول العذاب بهم في الدنيا { فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً } [آية: 45] لم يزل الله عز وجل بعباده بصيراً.