الرئيسية - التفاسير


* تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً يٰجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَٱلطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ ٱلْحَدِيدَ } * { أَنِ ٱعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي ٱلسَّرْدِ وَٱعْمَلُواْ صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } * { وَلِسُلَيْمَانَ ٱلرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ ٱلْقِطْرِ وَمِنَ ٱلْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ } * { يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَٱلْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ ٱعْمَلُوۤاْ آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ } * { فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ ٱلْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ٱلْغَيْبَ مَا لَبِثُواْ فِي ٱلْعَذَابِ ٱلْمُهِينِ }

{ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ } أعطينا داود { مِنَّا فَضْلاً } النبوة كقوله عز وجل للنبى صلى الله عليه وسلم في سورة النساء:وَكَانَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً } [النساء: 113]، يعني النبوة والكتاب، فذلك قوله عز وجل { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً } النبوة والزبور وما سخر له من الجبل والطير والحديد ثم بين ما أعطاه، فقال عز وجل: { يٰجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ } سبحي معه مع داود، عليه السلام، يقول: اذكري الرب مع داود، وهو التسبيح، ثم قال عز وجل: { وَ } سخرنا له { وَٱلطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ ٱلْحَدِيدَ } [آية: 10] فكان داود، عليه السلام، يضفر الحديد ضفر العجين من غير نار، فيتخذها دروعاً طوالاً.

فذلك قوله عز وجل: { أَنِ ٱعْمَلْ سَابِغَاتٍ } الدروع الطوال، وكانت الدروع قبل داود إنما هي صفائح الحديد مضروبة، فكان داود، عليه السلام، يشد الدروع بمسامير ما يقرعها بحديد ولا يدخلها النار، فيقرع من الدروع في بعض النهار، وبعض الليل، بيده ثمن ألف درهم، قال لداود: { وَقَدِّرْ فِي ٱلسَّرْدِ } يقول: قدر المسامير في الخلق ولا تعظم المسامير فتنقصم ولا تضفر المسامير فتسلس، ثم قال الله عز وجل لآل داود: { وَٱعْمَلُواْ صَالِحاً } يعني قولوا الحمد لله { إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } [آية: 11].

ثم ذكر ابنه سليمان، عليهما السلام، وما أعطاه الله عز وجل من الخير والكرامة فقال عز وجل: { وَ } سخرنا { وَلِسُلَيْمَانَ ٱلرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ } يعني مسيرة شهر فتحملهم الريح من بيت المقدس إلى أصطخر وتروح بهما ذا بلستان { وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ } يعني مسيرة فتحملهم إلى بيت المقدس لا تحول طيراً من فوقهم ولا ورقة من تحتهم ولا تثير تراباً، ثم قال جل وعز: { وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ ٱلْقِطْرِ } يعني أخرجنا لسليمان عين الصفر ثلاثة أيام تجري مجرى الماء بأرض اليمن { وَمِنَ ٱلْجِنِّ مَن يَعْمَلُ } وسخرنا لسليمان من الجن من يعمل { بَيْنَ يَدَيْهِ } بين يدي سليمان { بِإِذْنِ رَبِّهِ } يعني رب سليمان عز وجل { وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ } ومن يعدل منهم { عَنْ أَمْرِنَا } عن أمر سليمان، عليه السلام، { نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ } [آية: 12] الوقود في الدنيا كان ملك بيده سوط من نار من يزغ عن أمر سليمان ضربه بسوط من نار فذلك عذاب السعير.

{ يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَآءُ } يعني الجن لسليمان { مِن مَّحَارِيبَ } المساجد { وَتَمَاثِيلَ } من نحاس ورخام من الأرض المقدسة وأصطخر من غير أن يعبدها أحد، ثم قال جل وعز: { وَجِفَانٍ كَٱلْجَوَابِ } وقصاع في العظم كحياض الإبل بأرض اليمن من العظم يجلس على كل قصعة واحد ألف رجل يأكلون منها بين يدي سليمان { وَقُدُورٍ } عظام لها قوائم لا تتحرك { رَّاسِيَاتٍ } ثابتات نتخذ من الجبال والقدور وعين الصفر بأرض اليمن، وكان ملك سليمان ما بين مصر وكابل، ثم قال جل وعز: { ٱعْمَلُوۤاْ آلَ دَاوُودَ شُكْراً } بما أعطيتم من الخير، يقول الرب عز وجل: { وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ } [آية: 13].

السابقالتالي
2