الرئيسية - التفاسير


* تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ ذَلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } * { مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَٱتَّقُوهُ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { مِنَ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } * { وَإِذَا مَسَّ ٱلنَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْاْ رَبَّهُمْ مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَآ أَذَاقَهُمْ مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ } * { لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } * { أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُواْ بِهِ يُشْرِكُونَ } * { وَإِذَآ أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُواْ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ }

ثم قال للنبى صلى الله عليه وسلم: إن لم يوحد كفار مكة ربهم، فوحد أنت ربك يا محمد، { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ } يعنى فأخلص دينك الإسلام لله عز وجل { حَنِيفاً } يعنى مخلصاً { فِطْرَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا } يعنى ملة الإسلام التوحيد الذى خلقهم عليه، ثم أخذ الميثاق من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم، وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم؟ قالوا: بلى ربنا، وأقروا له بالربوبية والمعرفة له تبارك وتعالى، ثم قال سبحانه: { لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ } يقول: لا تحويل لدين الله عز وجل الإسلام { ذَلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ } يعنى التوحيد وهو الدين المستقيم، { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ } يعنى كفار مكة { لاَ يَعْلَمُونَ } [آية: 30] توحيد الله عز وجل.

ثم أمرهم بالإنابة من الكفر وأمرهم بالصلاة، فقال عز وجل { مُنِيبِينَ إِلَيْهِ } يقول: راجعين إليه من الكفر إلى التوحيد لله تعالى ذكره، { وَٱتَّقُوهُ } يعنى واخشوه، { وَأَقِيمُواْ } يعنى وأتموا { ٱلصَّلاَةَ وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [آية: 31] يقول: لكفار مكة كونوا من الموحدين لله عز وجل ولا تكونوا: { مِنَ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ } يعنى أهل الأديان فرقوا دينهم الإسلام، { وَكَانُواْ شِيَعاً } يعنى أحزاباً فى الدين يهود ونصارى ومجوس وغيره ونحو ذلك، { كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } [آية: 32] كل أهل ملة بما عندهم من الدين راضون به.

{ وَإِذَا مَسَّ ٱلنَّاسَ ضُرٌّ } يعنى كفار مكة ضر، يعنى السنين، وهو الجوع، يعنى قحط المطر عليهم سبع سنين، { دَعَوْاْ رَبَّهُمْ مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ } يقول: عز وجل راجعين إليه يدعونه أن يكشف عنهم الضر، لقوله تعالى حم الدخان:رَّبَّنَا ٱكْشِفْ عَنَّا ٱلْعَذَابَ } [الدخان: 12] يعنى الجوعإِنَّا مْؤْمِنُونَ } [الدخان: 12]. قال تعالى: { ثُمَّ إِذَآ أَذَاقَهُمْ مِّنْهُ رَحْمَةً } يعنى إذا أعطاهم من عنده نعمة، يعنى المطر { إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ } [آية: 33] يقول: تركوا توحيد ربهم فى الرخاء، وقد وحدوه في الضر.

{ لِيَكْفُرُواْ } يعنى لكى يكفروا { بِمَآ آتَيْنَاهُمْ } بالذى أعطيناهم من الخير فى ذهاب الضر عنهم، وهو الجوع، ثم قال سبحانه: { فَتَمَتَّعُواْ } قليلاً إلى آجالكم { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } [آية: 34] هذا وعيد، ثم ذكر شركهم، فقال: { أَمْ أَنزَلْنَا } وأم هاهنا صلة على أهل مكة، يعنى كفارهم { عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً } يعنى كتاباً من السماء، { فَهُوَ يَتَكَلَّمُ } يعنى ينطق { بِمَا كَانُواْ بِهِ يُشْرِكُونَ } [آية: 35] يعنى ينطق بما يقولون من الشرك. ثم ذكرهم أيضاً، فقال سبحانه:

{ وَإِذَآ أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ } كفار مكة { رَحْمَةً } يعنى أعطينا كفار مكة رحمة، يعنى المطر { فَرِحُواْ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ } بلاء يعنى الجوع أو شدة من قحط سبع سنين { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } من الذنوب { إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ } [آية: 36] يعنى إذا هم من المطر آيسون، ثم وعظهم ليعتبروا.