الرئيسية - التفاسير


* تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) مصنف و مدقق


{ وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَإِلَىٰ ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ } * { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ مِّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } * { لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ ٱلأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } * { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوۤاْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَبَآءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلْمَسْكَنَةُ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلأَنْبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْاْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ }

{ وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَإِلَىٰ ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ } [آية: 109]، يعنى تصير أمور العباد إليه فى الآخرة، وافتخرت الأنصار، فقالت الأوس، منا خزيمة بن ثابت صاحب الشهادتين، ومنا حنظلة غسيل الملائكة، ومنا عاصم بن ثابت بن الأفلح الذى حمت رأسه الدبر، يعنى الزنابير، ومنا سعد بن معاذ الذى اهتز العرش لموته، ورضى الله عز وجل بحكمه، والملائكة فى أهل قريظة، وقالت الخزرج: منا أربعة أحكموا القرآن، أبى بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد، ومنا سعد بن عبادة صاحب راية الأنصار وخطيبهم الذى ناحت الجن عليه، فقالوا:

نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة   فرميناه بسهمين فلم تخط فؤاده
قوله سبحانه: { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } ، يعنى خير الناس للناس، وذلك أن مالك بن الضيف، ووهب بن يهوذا قالا لعبد الله بن مسعود، ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبى حذيفة: إن ديننا خير مما تدعونا إليه، فأنزل الله عز وجل فيهم: { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } فى زمانكم كما فضل بنى إسرائيل فى زمانهم، { تَأْمُرُونَ } الناس { بِٱلْمَعْرُوفِ } ، يعنى بالإيمان، { وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ } بتوحيد { بِٱللَّهِ } وتنهوهم عن الظلم وأنتم خير الناس للناس، وغيركم من أهل الأديان لا يأمرون أنفسهم ولا غيرهم بالمعروف، ولا ينهونهم عن المنكر، ثم قال: { وَلَوْ آمَنَ } ، يعنى ولو صدق { أَهْلُ ٱلْكِتَابِ } ، يعنى اليهود بمحمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به من الحق، { لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ } من الكفر، ثم قال: { مِّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ } ، يعنى عبد الله بن سلام وأصحابه، { وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } [آية: 110]، يعنى العاصين، يعنى اليهود.

{ لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى } ، وذلك أن رؤساء اليهود: كعب بن مالك، وشعبة، وبحرى، ونعمان، وأبو ياسر، وأبا نافع، وكنانة بن أبى الحقيق، وابن صوريا، عمدوا إلى مؤمنيهم فآذوهم لإسلامهم، وهم عبدالله بن سلام وأصحابه، فأنزل الله عز وجل: { لَن يَضُرُّوكُمْ } اليهود { إِلاَّ أَذًى } باللسان، { وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ ٱلأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } [آية: 111].

ثم أخبر عن اليهود فقال سبحانه: { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ } ، يعنى المذلة، { أَيْنَ مَا ثُقِفُوۤاْ } ، يعنى وجدوا، { إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ ٱللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ ٱلنَّاسِ } ، يقول: لا يأمنوا حيث ما توجهوا إلا بعهد من الله، وعهد من الناس، يعنى النبى صلى الله عليه وسلم وحده، { وَبَآءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ } ، يعنى استوجبوا الغضب من الله، { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ } الذلة و { ٱلْمَسْكَنَةُ } ، يعنى الذل والفقر، { ذٰلِكَ } الذى نزل بهم { بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلأَنْبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذٰلِكَ } الذى أصباهم { بِمَا عَصَوْاْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ } [آية: 112] فى دينهم بما خير عنهم.