الرئيسية - التفاسير


* تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ } * { وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } * { وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ }

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } ، يعنى الأنصار، { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } ، وهو أن يطاع فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر، نسختها:فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ } [التغابن: 16]، وذلك أنه كان بين الأوس والخزرج عداوة فى الجاهلية فى دم شمير وحاطب، فقتل بعضهم بعضاً حيناً، فلما هاجر النبى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أصلح بينهم، فلما كان بعد ذلك، فاتخر منهم رجلان أحدهما ثعلبة بن غنيمة من الأوس، والآخر سعد بن زرارة من بنى الخزرج من بنى سلمة بن جشم، فجرى الحديث بينهما فغضبا، فقال الخزرجى: أما والله لو تأخر الإسلام عنا وقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا لقتلنا سادتكم، واستعبدنا أبناءكم، ونكحنا نساءكم بغير مهر، فقال الأوسى: قد كان الإسلام متأخراً زماناً طويلاً، فهلا فعلتم، فقد ضربناكم بالمرهفات حتى أدخلناكم الديار، وذكرا الأشعار والموتى، وافتخرا وانتسبا، حتى كان بينهما دفع وضرب بالأيدى والسعف، والنعال، فغضبا فناديا، فجاءت الأوس إلى الأوس، والخزرج إلى الخزرج بالسلاح، وأسرع بعضهم إلى بعض بالرماح، فبلغ ذلك النبى صلى الله عليه وسلم، فركب حماراً وأتاهم، فلما أن عاينهم ناداهم: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } { وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ } [آية: 102]، يعنى معتصمين بالتوحيد.

{ وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ } ، يعنى بدين الله، { جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ } ، يعنى ولا تختلفوا فى الدين كما اختلف أهل الكتاب، { وَٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } الإسلام، { إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً } فى الجاهلية يقتل بعضكم بعضاً، { فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً } ، يعنى برحمته إخواناً فى الإسلام، { وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا } ، يقول للمشركين: الميت منكم فى النار، والحى منكم على حرف النار، إن مات دخل النار، { فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا } ، يعنى من الشرك إلى الإيمان، { كَذٰلِكَ } ، يعنى هكذا، { يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ } ، يعنى علاماته فى هذه النعمة، أعداء فى الجاهلية، إخواناً فى الإسلام، { لَعَلَّكُمْ } ، لكى { تَهْتَدُونَ } [آية: 103]، فتعرفوا علاماته فى هذه النعمة.

" فلما سمع القوم القرآن من النبى صلى الله عليه وسلم تحاجزوا، ثم عانق بعضهم بعضاً، وتناول بخدود بعض بالتقبيل والالتزام، يقول جابر بن عبدالله، وهو فى القوم:لقد اطلع إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أحد هو أكره طلعة إلينا منه لما كنا هممنا به، فلما انتهى إليهم النبى صلى الله عليه وسلم، قال: " اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم " ، { وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ } ، يعنى عصبة، { يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } [آية: 104].