الرئيسية - التفاسير


* تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ } * { ٱذْهَب بِّكِتَابِي هَـٰذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَٱنْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ } * { قَالَتْ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ إِنِّيۤ أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ } * { إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } * { أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } * { قَالَتْ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَفْتُونِي فِيۤ أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ } * { قَالُواْ نَحْنُ أُوْلُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَٱلأَمْرُ إِلَيْكِ فَٱنظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ } * { قَالَتْ إِنَّ ٱلْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوۤاْ أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً وَكَذٰلِكَ يَفْعَلُونَ } * { وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ ٱلْمُرْسَلُونَ } * { فَلَمَّا جَآءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَآ آتَانِيَ ٱللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّآ آتَاكُمْ بَلْ أَنتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ } * { ٱرْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَآ أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ }

{ قَالَ } سليمان للهدهد: دلنا على الماء { سَنَنظُرُ } فيما تقول، { أَصَدَقْتَ } فى قولك { أَمْ كُنتَ } يعنى أم أنت { مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ } [آية: 27] مثل قوله عز وجل:كنتم خير أمة أخرجت للناس } [آل عمران: 110].

وكان الهدهد يدلهم على قرب الماء من الأرض إذا نزلوا، فدلهم على ماء، فنزلوا واحتفروا الر كايا، وروى الناس والدواب، وكانوا قد عطشوا، فدعا سليمان الهدهد، وقال: { ٱذْهَب بِّكِتَابِي هَـٰذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ } يعنى إلى أهل سبأ { ثُمَّ تَوَلَّ } يقول: ثم انصرف { عَنْهُمْ فَٱنْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ } [آية: 28] الجواب، فحمل الهدهد الكتاب بمنقاره، فطار حتى وقف على رأس المرأة، فرفرف ساعة والناس ينظرون، فرفعت المرأة رأسها، فألقى الهدهد الكتاب فى حجرها، فلما رأت الكتاب ورأت الخاتم رعدت وخضعت، وخضع من معها من الجنود، لأن ملك سليمان، عليه السلام، كان فى خاتمه فعرفوا أن الذى أرسل هذا الطير أعظم ملكاً من ملكها، فقالت: إن ملكاً رسله الطير، إن ذلك الملك عظيم، فقرأت هى الكتاب، وكانت عربية من قوم تبع بن أبى شراحيل الحميرى، وقومها من قوم تبع، وهم عرب، فأخبرتهم بما فى الكتاب، ولم يكن فيه شىء غير: " إنه من سليمان، وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا على " ألا تعظموا على " وأتونى مسلمين ". قال أبو صالح: ويقال: مختوم.

فـ { قَالَتْ } المرأة لهم: { يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ } يعنى الأشراف، { إِنِّيۤ أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ } [آية: 29] يعنى كتاب حسن { إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } [آية: 30] { أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } [آية: 31]، ثم قالت: إن يكن هذا الملك يقاتل على الدنيا، فإنا نمده بما أراد من الدنيا، وإن يكن يقاتل لربه، فإنه لا يطلب الدنيا، ولا يريدها، ولا يقبل منا شيئاً غير الإسلام.

ثم استشارتهم فـ { قَالَتْ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ } يعنى الأشراف، وهم: ثلاث مائة، وثلاثة عشر قائداً، مع كل مائة ألف، وهم أهل مشورتها، فقالت لهم: { أَفْتُونِي فِيۤ أَمْرِي } من هذا { مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ } [آية: 32] تقول: ما كنت قاضية أمراً حتى تحضرون.

{ قَالُواْ } لها: { نَحْنُ أُوْلُو قُوَّةٍ } يعنى عدة كثيرة فى الرجال كقوله:فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ } [الكهف: 95]، يعنى بالرجال { وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ } فى الحرب، يعنى الشجاعة { وَٱلأَمْرُ إِلَيْكِ } يقول: قد أخبرناك بما عندنا وما نجاوز ما تقولين، { فَٱنظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ } [آية: 33] يعنى ماذا تشيرين علينا، كقول فرعون لقومه:فَمَاذَا تَأْمُرُونَ } [الشعراء: 35] يعنى ماذا تشيرون علىّ.

{ قَالَتْ إِنَّ ٱلْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا } يعنى أهلكوها، كقوله عز وجل: { لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلأَرْضُ } يعنى لهلكتها ومن فيهن، ثم قال: { وَجَعَلُوۤاْ أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً } يعنى أهانوا أشرافها وكبراءها لكى يستقيم لهم الأمر، يقول الله عز وجل، { وَكَذٰلِكَ يَفْعَلُونَ } [آية: 34] كما قالت.

السابقالتالي
2