الرئيسية - التفاسير


* تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلٰوةَ وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } * { وٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ }

ثم نعتهم، فقال سبحانه: { ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ } ، يعنى يؤمنون بالقرآن أنه من الله تعالى جاء، وهو أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم، فيحلون حلاله ويحرمون حرامه، ويعملون بما فيه، { وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلاةَ } المكتوبة الخمس، يعنى يقيمون ركوعها وسجودها فى مواقيتها، { وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ } من الأموال { يُنْفِقُونَ } [آية: 3]، يعنى الزكاة المفروضة نظيرها فى لقمان، فهاتان الآيتان نزلتا فى مؤمنى أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم والمهاجرين.

ثم ذكر مؤمنى أهل التوراة، عبدالله بن سلام وأصحابه، منهم: أسيد بن زيد، وأسد بن كعب، وسلام بن قيس، وثعلبة بن عمر، وابن يامين، واسمه سلام، فقال: { وٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ } ، يعنى يصدقون { بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ } يا محمد من القرآن أنه من الله نزل، { وَمَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ } على الأنبياء، يعنى التوراة والإِنجيل والزبور، { وَبِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } [آية: 4]، يعنى يصدقون بالبعث الذى فيه جزاء الأعمال بأنه كائن، ثم جمعهم جميعاً، فقال سبحانه: { أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } [آية: 5].

فلما سمع أبو ياسر بن أخطب اليهودى بهؤلاء الآيات، قال لأخيه جدى بن أخطب: لقد سمعت من محمد كلمات أنزلهن الله على موسى بن عمران، فقال جدى لأخيه: لا تعجل حتى تتثبت فى أمره، فعمد أبو ياسر وجدى ابنا أخطب، وكعب بن الأشرف، وكعب بن أسيد، ومالك بن الضيف، وحيى بن أخطب، وسعيد بن عمرو الشاعر، وأبو لبابة بن عمرو، ورؤساء اليهود، فأتوا النبى صلى الله عليه وسلم، فقال جدى للنبى صلى الله عليه وسلم: يا أبا القاسم، أخبرنى أبو ياسر بكلمات تقولهن آنفاً، فقرأهن النبى صلى الله عليه وسلم، فقال جدى: صدقتم، أما { الۤمۤ ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلاةَ وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } ، فنحن هم، وأما { وٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ } فهو كتابك، { وَمَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ } ، فهو كتابنا، { وَبِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } ، فأنتم هم قد آمنتم بما أنزل إليكم وإلينا، وآمنتم بالجنة والنار، فآيتان فينا وآيتان فيكم.

ثم قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم: ننشدك بالله أنها نزلت عليك من السماء، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: " أشهد بالله أنها نزلت علىَّ من السماء " ، فذلك قوله سبحانه فى يونس:وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّيۤ } [يونس: 53]، يعنى ويستخبرونك أحق هو؟ قل: { إِي وَرَبِّيۤ } ، ويعنى بلى وربى إنه لحق. فقال جدى: لئن كنت صادقاً، فإنكم تملكون إحدى وسبعين سنة، ولقد بعث الله عز وجل فى بنى إسرائيل ألف نبى كلهم يخبرون عن أمتك ولم يخبرونا كم تملكون حتى أخبرتنا أنت الآن، ثم قال جدى لليهود: كيف ندخل فى دين رجل منتهى ملك أمته إحدى وسبعون سنة، فقال عمر بن الخطاب، رضوان الله عليه: وما يدريك أنها إحدى وسبعون سنة؟ فقال جدى: أما ألف فى الحساب فواحد، واللام ثلاثون، والميم أربعون سنة، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال جدى: هل غير هذا؟ فقال النبى صلى الله عليه وسلم: " نعم، { الۤمۤصۤ كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ } " [الأعراف: 1، 2].

السابقالتالي
2 3