الرئيسية - التفاسير


* تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ } * { فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ وَٱلْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَآءُ وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ ٱلأَرْضُ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } * { تِلْكَ آيَاتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ }

{ وَلَمَّا بَرَزُواْ } لقتال { لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ } ، قال أصحاب الغرفة: { قَالُواْ رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً } ، يعنى ألق، أصبب علينا صبراً، كقوله سبحانه:أَفْرِغْ } يعنى أصبب،عَلَيْهِ قِطْراً } [الكهف: 96]، { وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا } عند القتال حتى لا تزول، { وَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ } [آية: 250]، يعنى جالوت وجنوده، وكانوا يعبدون الأوثان، فاستجاب الله لهم، وكانوا مؤمنين، أصحاب الغرفة فى العصاة.

فلما التقى الجمعان وطالوت فى قلة وجالوت فى كثرة، عمد داود، عليه السلام، فقام بحيال جالوت، لا يقوم ذلك المكان إلا من يريد قتال جالوت، فجعل الناس يسخرون من داود حين قام بحيال جالوت، وكان جالوت من قوم عاد عليه بيضة فيها ثلاثمائة رطل، فقال جالوت: من أين هذا الفتى؟ ارجع ويحك، فإنى أراك ضعيفاً، ولا أرى لك قوة، ولا أرى معك سلاحاً، ارجع فإنى أرحمك، فقال داود، عليه السلام: أنا أقتلك بإذن الله عز وجل، فقال جالوت: بأى شىء تقتلنى؟ وقد قمت مقام الأشقياء، ولا أرى معك سلاحاً إلا عصاك هذه، هلم فاضربنى بها ما شئت، وهى عصاه التى كان يرد بها غنمه، قال داود: أقتلك بإذن الله بما شاء الله.

فتقدم جالوت ليأخذه بيده مقتدراً عليه فى نفسه، وقد صارت الحجارة الثلاثة حجراً واحداً، فلما دنا جالوت من داود، أخرج الحجر من مخلاته، وألقت الريح البيضة عن رأسه، فرماه فوقع الحجر فى دماغه حتى خرج من أسفله، وانهزم الكفار، وطالوت ومن معه وقوف ينظرون، فذلك قوله سبحانه: { فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ } بحذافة فيها حجر واحد، وقتل معه ثلاثون ألفاً، وطلب داود نصف مال طالوت ونصف ملكه، فحسده طالوت على صنيعه وأخرجه، فذهب داود حتى نزل قرية من قرى بنى إسرائيل وندم طالوت على صنيعه، فقال فى نفسه: عمدت إلى خير أهل الأرض بعثه الله عز وجل لقتل جالوت فطردته، ولم أف له، وكان داود، عليه السلام، أحب إلى بنى إسرائيل من طالوت.

فانطلق فى طلب داود، فطرق امرأة ليلاً من قدماء بنى إسرائيل تعلم اسم الله الأعظم، وهى تبكى على داود، فضرب بابها، فقالت: من هذا؟ قال: أنا طالوت، فقالت: أنت أشقى الناس وأشرهم، هل تعلم ما صنعت؟ طردت داود النبى صلى الله عليه وسلم، وكان أمره من الله عز وجل، وكانت له آية فيه من أمر الدرع وصفة أشماويل وظهوره على جالوت، وقتل الله عز وجل به أهل الأوثان فانهزموا، ثم غدرت بداود وطردته، هلكت يا شقى، فقال لها: إنما أتيتك لأسألك ما توبتى؟ قالت: توبتك أن تأتى مدينة بلقاء، فتقاتل أهلها وحدك، فإن افتتحتها، فهى توبتك، فانطلق طالوت، فقاتل أهل بلقاء وحده، فقتل وعمدت بنو إسرائيل إلى داود، عليه السلام، فردوه وملكوه، ولم يجتمع بنو إسرائيل لملك قط غير داود، عليه السلام، فكانوا اثنى عشر سبطاً، لكل سبط ملك بينهم، فذلك قوله تبارك وتعالى: { فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ }.

السابقالتالي
2