الرئيسية - التفاسير


* تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِٱلْجُنُودِ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّيۤ إِلاَّ مَنِ ٱغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا ٱلْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُواْ ٱللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ }

{ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِٱلْجُنُودِ } ، وهم مائة ألف إنسان، فسار فى حر شديد، { فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِٱلْجُنُودِ } { قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ } عز وجل { مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ } بين الأردن وفلسطين، { فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي } ، يقول: ليس معى على عدوى، كقول إبراهيم، عليه السلام:فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي } [إبراهيم: 36]، يعني معي، { وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّيۤ } ، فإنه معي على عدوي، ثم استثنى، فقال: { إِلاَّ مَنِ ٱغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ } ، الغرفة يشرب منها الرجل وخدمه ودابته ويملأ قربته، ووصلوا إلى النهر من مفازة، وأصابهم العطش، فلما رأى الناس الماء ابتدروا فوقعوا فيه، { فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ } ، والقليل ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، عدة أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم يوم بدر.

{ فَلَمَّا جَاوَزَهُ } ، أى جاوز النهر { هُوَ } ، يعنى طالوت، { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ } ، وكلهم مؤمنون، فقال العصاة الذين وقعوا فى النهر: { قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا ٱلْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ } ، فرد عليهم أصحاب الغرفة، { قَالَ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ } ، يعنى الذين يعلمون، كقوله سبحانه:وَظَنَّ أَنَّهُ ٱلْفِرَاقُ } [القيامة: 28]، يعنى وعلم، وكقوله عز وجل:فَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا } [الكهف: 53]، وكقوله عز وجل:أَلا يَظُنُّ أُوْلَـٰئِكَ } [المطففين: 4]، أى ألا يعلم { أَنَّهُمْ مُلاَقُواْ ٱللَّهِ }؛ لأنهم قد طابت أنفسهم بالموت، { كَم مِّن فِئَةٍ } ، يعنى جند { قَلِيلَةٍ } عددهم، { غَلَبَتْ فِئَةٍ كَثِيرَةً } عددهم { بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ } [آية: 249]، يعنى بنى إسرائيل فى النصر على عدوهم، فرد طالوت العصاة وسار بأصحاب الغرفة حتى عاينوا العدو.