{ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِٱلْجُنُودِ } ، وهم مائة ألف إنسان، فسار فى حر شديد، { فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِٱلْجُنُودِ } { قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ } عز وجل { مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ } بين الأردن وفلسطين، { فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي } ، يقول: ليس معى على عدوى، كقول إبراهيم، عليه السلام:{ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي } [إبراهيم: 36]، يعني معي، { وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّيۤ } ، فإنه معي على عدوي، ثم استثنى، فقال: { إِلاَّ مَنِ ٱغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ } ، الغرفة يشرب منها الرجل وخدمه ودابته ويملأ قربته، ووصلوا إلى النهر من مفازة، وأصابهم العطش، فلما رأى الناس الماء ابتدروا فوقعوا فيه، { فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ } ، والقليل ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، عدة أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم يوم بدر.
{ فَلَمَّا جَاوَزَهُ } ، أى جاوز النهر { هُوَ } ، يعنى طالوت، { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ } ، وكلهم مؤمنون، فقال العصاة الذين وقعوا فى النهر: { قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا ٱلْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ } ، فرد عليهم أصحاب الغرفة، { قَالَ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ } ، يعنى الذين يعلمون، كقوله سبحانه:{ وَظَنَّ أَنَّهُ ٱلْفِرَاقُ } [القيامة: 28]، يعنى وعلم، وكقوله عز وجل:{ فَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا } [الكهف: 53]، وكقوله عز وجل:{ أَلا يَظُنُّ أُوْلَـٰئِكَ } [المطففين: 4]، أى ألا يعلم { أَنَّهُمْ مُلاَقُواْ ٱللَّهِ }؛ لأنهم قد طابت أنفسهم بالموت، { كَم مِّن فِئَةٍ } ، يعنى جند { قَلِيلَةٍ } عددهم، { غَلَبَتْ فِئَةٍ كَثِيرَةً } عددهم { بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ } [آية: 249]، يعنى بنى إسرائيل فى النصر على عدوهم، فرد طالوت العصاة وسار بأصحاب الغرفة حتى عاينوا العدو.