الرئيسية - التفاسير


* تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) مصنف و مدقق


{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ ٱللَّهِ وَٱلْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ ٱلْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِن اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَأُوْلـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }

{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ } ، وذلك أن النبى صلى الله عليه وسلم بعث عبيدة بن الحارث بن عبدالمطلب على سرية فى جمادى الآخرة قبل قتال بدر بشهرين، على رأس ستة عشر شهراً، بعد قدوم النبى صلى الله عليه وسلم المدينة، فلما ودع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاضت عيناه، ووجد من فراق النبى صلى الله عليه وسلم بعد أن عقد له اللواء، فلما رأى النبى صلى الله عليه وسلم وجده، بعث مكانه عبدالله ابن جحش الأسدى من بنى غنم بن دودان، وأمه عمة النبى صلى الله عليه وسلم أميمة بنت عبدالمطلب، وهو حليف لبنى عبد شمس، وكتب له كتاباً، وأمره أن يتوجه قبل مكة، ولا يقرأ الكتاب حتى يسير ليلتين، فلما سار عبدالله ليلتين، قرأ الكتاب، فإذا فيه: سر باسم الله إلى بطن نخلة، على اسم الله وبركته، ولا تكرهن أحد من أصحابك على السير، وامض لأمرى ومن اتبعك منهم، فترصد بها عبر قريش، فلما قرأ الكتاب استرجع عبدالله، واتبع استرجاعه بسمع وطاعة الله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم.

ثم قال عبدالله لأصحابه: من أحب منكم أن يسير معى فليسر، ومن أحب أن يرجع فليرجع، وهم ثمانية رهط من المهاجرين: عبدالله بن جحش الأسدى، وسعد بن أبى وقاص الزهرى، وعتبة بن غزوان المزني حليف لقريش، وأبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، وسهل بن بيضاء القرشى، ويقال: سهل من بنى الحارث بن فهد، وعامر بن ربيعة القرشى من بني عدي بن كعب، وواقد بن عبدالله التميمى، فرجع من القوم سعد ابن أبي وقاص، وعتبة بن غزوان، وسار عبدالله ومعه خمسة نفر وهو سادسهم، فلما قدموا لبطن نخلة بين مكة والطائف، حملوا على أهل العير، فقتلوا عمر بن الحضرمى القرشى، قتله واقد بن عبد الله التميمى، رماه بسهم، فكان أول قتيل فى الإسلام من المشركين، وأسروا عثمان بن عبدالله بن المغيرة، والحكم بن كيسان مولى هشام بن المغيرة المخزومى، فغديا بعد ذلك فى المدنية، وأفلتهم نوفل بن عبدالله بن المغيرة المخزومى على فرس له جواد أنثى، فقدم مكة من الغد، وأخبر الخبر مشركي مكة، وكرهوا الطلب؛ لأنه أول يوم من رجب، وسار المسلمون بالأسارى والغنمية حتى قدموا المدينة، فقالوا: يا نبى الله، أصبنا القوم نهاراً، فلما أمسينا رأينا هلال رجب، فما ندرى أصبناهم فى رجب أو فى آخر يوم من جمادى الآخرة.

وأقبل مشركو مكة على مسلميهم فقالوا: يا معشر الصباة، ألا ترون أن إخوانكم استحلوا القتال فى الشهر الحرام، وأخذوا أسارانا وأموالنا، وأنتم تزعمون أنكم على دين الله، أفوجدتم هذا فى دين الله حيث أمن الخائف، وربطت الخيل، ووضعت الأسنة، وبدأ الناس لمعاشهم، فقال المسلمون: الله ورسوله أعلم، وكتب مسلمو مكة إلى عبدالله بن جحش أن المشركين عابونا فى القتال، وأخذ الأسرى والأموال فى الشهر الحرام، فاسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألنا فى ذلك متكلم، أو أنزل الله بذلك قرآناً، فدفع عبدالله بن جحش الأسدى الكتاب إلى النبى صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ } { قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ } ، ولم يرخص فيه القتال.

السابقالتالي
2