الرئيسية - التفاسير


* تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ ٱتَّقَىٰ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوآ أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } * { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا وَيُشْهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلْخِصَامِ } * { وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلفَسَادَ } * { وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتْهُ ٱلْعِزَّةُ بِٱلإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ }

{ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ } إذا رميتم الجمار، يعنى أيام التشريق، والأيام المعلومات يعنى يوم النحر ويومين من أيام التشريق بعد النحر، فكان عمر، رضى الله عنه، يكبر فى قبته بمنى، فيرفع صوته، فيسمع أهل مسجد منى فيكبرون كلهم حتى يرتج منى تكبيراً { فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ } ، يعنى بعد يوم النحر بيومين، يقول: من تعجل فنفر قبل غروب الشمس، { فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ } ، يقول: فلا ذنب عليه، يقول: ذنوبه مغفورة، فمن لم ينفر حتى تغرب الشمس فليقم إلى الغد يوم الثالث، فيرمي الجمار، ثم ينفر مع الناس، قال: { وَمَن تَأَخَّرَ } إلى يوم الثالث حتى ينفر الناس، { فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ } ، يقول: لا ذنب عليه، يقول: ذنوبه مغفورة، ثم قال: { لِمَنِ ٱتَّقَىٰ } قتل الصيد، { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } ، ولا تستحلوا قتل الصيد فى الإحرام، { وَٱعْلَمُوآ } يخوفهم { أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } [آية: 203] فى الآخرة فيجزيكم بأعمالكم، نظيرها فى المائدة:وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ ٱلْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } [المائدة: 96] فيجزيكم بأعمالكم.

{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } ، نزلت فى الأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب بن أبى سلمة الثقفى، وأمه اسمها ريطة بنت عبدالله بن أبى قيس القرشى، من بنى عامر بن لؤى، وكان عديد بنى زهرة، وكان يأتى النبى صلى الله عليه وسلم فيخبره أنه يحبه ويحلف بالله على ذلك، ويخبره أنه يتابعه على دينه، فكان النبى صلى الله عليه وسلم يعجبه ذلك ويدنيه فى المجلس، وفى قلبه غير ذلك، فأنزل الله عز وجل: { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } { وَيُشْهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ } ما يقول، يعني يمينه التى حلف بالله، و { مَا فِي قَلْبِهِ } أن الذى يقول حق { وَهُوَ أَلَدُّ ٱلْخِصَامِ } [آية: 204]، يقول: جدلاً بالباطل، كقوله سبحانه:وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً } [مريم: 97]، يعنى جدلاء خصماء.

ثم أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال: { وَإِذَا تَوَلَّىٰ } ، يعنى إذا توارى وكان رجلاً مانعاً جريئاً على القتل، { سَعَىٰ فِي ٱلأَرْضِ } بالمعاصى؛ { لِيُفْسِدَ فِيِهَا } ، يعني فى الأرض، { وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ } ، يعني كل دابة، وذلك أنه عمد إلى كديس بالطائف إلى رجل مسلم، فأحرقه وعقر دابته، { وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلفَسَادَ } [آية:205]، { وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتْهُ ٱلْعِزَّةُ بِٱلإِثْمِ } ، يعنى الحمية، نظيرها فى ص [آية: 2] قوله سبحانه:بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ } يعني حمية بالإثم، { فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ } شدة عذاب، { وَلَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } [آية: 206]، وكان الأخنس يسمى أبى بن شريق، من بني زهرة بن كعب بن لؤى بن غالب، وإنما سمى الأخنس؛ لأنه يوم بدر رد ثلاثمائة رجل من بنى زهرة عن قتال النبى صلى الله عليه وسلم، وقال لهم: إن محمداً ابن أختكم، وأنتم أحق من كف عنه، فإن كان نبياً لم نقتله، وإن كان كاذباً كنتم أحق من كف عنه، فخنس بهم، فمن ثم سمي الأخنس.