الرئيسية - التفاسير


* تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) مصنف و مدقق


{ سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلَّٰهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ ٱلَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل للَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِي كُنتَ عَلَيْهَآ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ }

{ سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ } ، وذلك " أن النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا بمكة يصلون ركعتين بالغداة وركعتين بالعشى، فلما عرج بالنبى صلى الله عليه وسلم إلى السماء ليلاً، أمر بالصلوات الخمس، فصارت الركعتان للمسافر، وللمقيم أربع ركعات، فلما هاجر إلى المدينة لليلتين خلتا من ربيع الأول، أمر أن يصلى نحو بيت المقدس؛ لئلا يكذب به أهل الكتاب إذا صلى إلى غير قبلتهم مع ما يجدون من نعته فى التوراة، فصلى النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه قبل بيت المقدس من أول مقدمه المدينة سبعة عشر شهراً، وصلت الأنصار قبل بيت المقدس سنتين قبل هجرة النبى صلى الله عليه وسلم، وكانت الكعبة أحب القبلتين إلى النبى صلى الله عليه وسلم، فقال لجبريل، عليه السلام: " وددت أن ربى صرفنى عن قبلة اليهود إلى غيرها ". فقال جبريل عليه السلام: إنما أنا عبد مثلك لا أملك شيئاً، فاسأل ربك ذلك، وصعد جبريل إلى السماء، وجعل النبى صلى الله عليه وسلم يديم النظر إلى السماء رجاء أن يأتيه جبريل، عليه السلام، بما سأل. "

فأنزل الله عز وجل فى رجب عند صلاة الأولى قبل قتال بدر بشهرين: { قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ } ، ولما صرفت القبلة إلى الكعبة، قال مشركو مكة: قد تردد على أمره واشتاق إلى مولد آبائه، وقد توجه إليكم وهو راجع إلى دينكم، فكان قولهم هذا سفهاً منهم، فأنزل الله عز وجل: { سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ } ، يعنى مشركي مكة، { مَا وَلاَّهُمْ } ، يقول: ما صرفهم { عَن قِبْلَتِهِمُ } الأولى { ٱلَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل } يا محمد { للَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [آية: 142]، يعنى دين الإسلام، يهدى الله نبيه والمؤمنين لدينه.

{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً } ، وذلك أن اليهود منهم مرحب، ورافع، وربيعة، قالوا لمعاذ: ما ترك محمد قبلتنا إلا حسداً، وإن قبلتنا قبلة الأنبياء، ولقد علم محمد أنا عدل بين الناس، فقال معاذ: إنا على حق وعدل، فأنزل الله عز وجل فى قول معاذ: { وَكَذَلِكَ } ، يعنى وهكذا، { جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً } ، يعنى عدلاً، نظيرها فى ن والقلم، قوله سبحانه:قَالَ أَوْسَطُهُمْ } [القلم:28]، يعنى أعدلهم، وقوله سبحانه:مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } [المائدة: 89]، يعنى أعدل، فقول الله: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً } ، يعنى أمة محمد تشهد بالعدل فى الآخرة بين الأنبياء وبين أممهم، { لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ } ، يعني على الرسل هل بلغت الرسالة عن ربها إلى أممهم، { وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ } ، يعني محمد صلى الله عليه وسلم { عَلَيْكُمْ شَهِيداً } ، يعني على أمته أنه بلغهم الرسالة.

السابقالتالي
2