الرئيسية - التفاسير


* تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } * { أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ وَمَن يَتَبَدَّلِ ٱلْكُفْرَ بِٱلإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } * { وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْحَقُّ فَٱعْفُواْ وَٱصْفَحُواْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

{ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } ، يحكم فيهما ما يشاء، ويأمر بأمر، ثم يأمر بغيره، ثم قال سبحانه: { وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ } ، يعنى قريب ينفعكم، { وَلاَ نَصِيرٍ } [آية: 107]، يعنى ولا مانع يمنعكم من الله لقولهم: إن القرآن ليس من الله، وإنما تقوله محمد صلى الله عليه وسلم من تلقاء نفسه، نظيرها فى براءة قوله سبحانه:وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } [التوبة: 74]، وقال عز وجل فى النحل:وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوۤاْ إِنَّمَآ أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } [النحل: 101] أنك لن تقول إلا ما قيل لك.

{ أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ } يعنى يقول: تريدون أن تسألوا محمداً أن يريكم ربكم جهرة، { كَمَا سُئِلَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ } محمد، يعنى كما قالت بنو إسرائيل لموسى: { أَرِنَا ٱللَّهِ جَهْرَةً } ، { وَمَن يَتَبَدَّلِ } ، يعنى من يشتر { ٱلْكُفْرَ بِٱلإِيمَانِ } ، يعنى اليهود، { فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } [آية: 108]، يعنى قد أخطأ قصد طريق الهدى، كقوله سبحانه فىالقصص:عَسَىٰ رَبِّيۤ أَن يَهْدِيَنِي سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } [القصص: 22]، يعنى قصد الطريق.

{ وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ } ، وذلك " أن نفراً من اليهود، منهم: فنحاص، وزيد بن قيس، بعد قتال أحُد، دعوا حذيفة، وعماراً إلى دينهم، وقالوا لهما: إنكما لن تصيبا خيراً للذى أصابهم يوم أُحُد من البلاء، وقالوا لهما: ديننا أفضل من دينكم، ونحن أهدى منكم سبيلاً، قال لهم عمار: كيف نقض العهد فيكم؟ قالوا: شديد، قال عمار: فإنى عهدت ربى أن لا أكفر بمحمد أبداً، ولا أتبع ديناً غير دينه، فقالت اليهود: أما عمار، فقد ضل وصبأ عن الهدى بعد إذ بصره الله، فكيف أنت يا حذيفة؟ ألا تبايعنا؟ قال حذيفة: الله ربى، ومحمد نبيى، والقرآن إمامى، أطيع ربى، وأقتدي برسولى، وأعمل بكتاب الله ربى حتى يأتينى اليقين على الإسلام، والله السلام ومنه السلام، فقالوا: وإله موسى، لقد أشربت قلوبكم حب محمد، فقال عمار: ربى أحمده، وربى أكرم محمداً ومنه اشتق الجلالة، إن محمداً أحمد هو محمد.

ثم أتيا النبى صلى الله عليه وسلم فأخبراه، فقال:ما رددتما عليهما؟، فقالا: قلنا: الله ربنا، ومحمد رسولنا، والقرآن إمامنا، الله نطيع، وبمحمد نقتدى، وبكتاب الله نعمل، فقال النبى صلى الله عليه وسلم:أصبتما أخا الخير، وأفلحتما " ، فأنزل الله عز وجل يحذر المؤمنين: { وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ } { لَوْ يَرُدُّونَكُم مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْحَقُّ } فى التوراة أن محمداً نبى، ودينه الإسلام، ثم قال سبحانه: { فَٱعْفُواْ وَٱصْفَحُواْ } ، يقول: اتركوهم واصحفوا، يقول: وأعرضوا عن اليهود، { حَتَّىٰ يَأْتِيَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ } ، فأتى الله عز وجل بأمره في أهل قريظة القتل والسبي، وفى أهل النضير الجلاء والنفي من منازلهم وجناتهم التي بالمدينة إلى أذرعات وأريحا من أرض الشام، { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [آية: 109]، من القتل والجلاء قدير.