{ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } ، يحكم فيهما ما يشاء، ويأمر بأمر، ثم يأمر بغيره، ثم قال سبحانه: { وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ } ، يعنى قريب ينفعكم، { وَلاَ نَصِيرٍ } [آية: 107]، يعنى ولا مانع يمنعكم من الله لقولهم: إن القرآن ليس من الله، وإنما تقوله محمد صلى الله عليه وسلم من تلقاء نفسه، نظيرها فى براءة قوله سبحانه:{ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } [التوبة: 74]، وقال عز وجل فى النحل:{ وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوۤاْ إِنَّمَآ أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } [النحل: 101] أنك لن تقول إلا ما قيل لك. { أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ } يعنى يقول: تريدون أن تسألوا محمداً أن يريكم ربكم جهرة، { كَمَا سُئِلَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ } محمد، يعنى كما قالت بنو إسرائيل لموسى: { أَرِنَا ٱللَّهِ جَهْرَةً } ، { وَمَن يَتَبَدَّلِ } ، يعنى من يشتر { ٱلْكُفْرَ بِٱلإِيمَانِ } ، يعنى اليهود، { فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } [آية: 108]، يعنى قد أخطأ قصد طريق الهدى، كقوله سبحانه فىالقصص:{ عَسَىٰ رَبِّيۤ أَن يَهْدِيَنِي سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } [القصص: 22]، يعنى قصد الطريق. { وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ } ، وذلك " أن نفراً من اليهود، منهم: فنحاص، وزيد بن قيس، بعد قتال أحُد، دعوا حذيفة، وعماراً إلى دينهم، وقالوا لهما: إنكما لن تصيبا خيراً للذى أصابهم يوم أُحُد من البلاء، وقالوا لهما: ديننا أفضل من دينكم، ونحن أهدى منكم سبيلاً، قال لهم عمار: كيف نقض العهد فيكم؟ قالوا: شديد، قال عمار: فإنى عهدت ربى أن لا أكفر بمحمد أبداً، ولا أتبع ديناً غير دينه، فقالت اليهود: أما عمار، فقد ضل وصبأ عن الهدى بعد إذ بصره الله، فكيف أنت يا حذيفة؟ ألا تبايعنا؟ قال حذيفة: الله ربى، ومحمد نبيى، والقرآن إمامى، أطيع ربى، وأقتدي برسولى، وأعمل بكتاب الله ربى حتى يأتينى اليقين على الإسلام، والله السلام ومنه السلام، فقالوا: وإله موسى، لقد أشربت قلوبكم حب محمد، فقال عمار: ربى أحمده، وربى أكرم محمداً ومنه اشتق الجلالة، إن محمداً أحمد هو محمد. ثم أتيا النبى صلى الله عليه وسلم فأخبراه، فقال:ما رددتما عليهما؟، فقالا: قلنا: الله ربنا، ومحمد رسولنا، والقرآن إمامنا، الله نطيع، وبمحمد نقتدى، وبكتاب الله نعمل، فقال النبى صلى الله عليه وسلم:أصبتما أخا الخير، وأفلحتما " ، فأنزل الله عز وجل يحذر المؤمنين: { وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ } { لَوْ يَرُدُّونَكُم مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْحَقُّ } فى التوراة أن محمداً نبى، ودينه الإسلام، ثم قال سبحانه: { فَٱعْفُواْ وَٱصْفَحُواْ } ، يقول: اتركوهم واصحفوا، يقول: وأعرضوا عن اليهود، { حَتَّىٰ يَأْتِيَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ } ، فأتى الله عز وجل بأمره في أهل قريظة القتل والسبي، وفى أهل النضير الجلاء والنفي من منازلهم وجناتهم التي بالمدينة إلى أذرعات وأريحا من أرض الشام، { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [آية: 109]، من القتل والجلاء قدير.