الرئيسية - التفاسير


* تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَـٰطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَـٰنَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَـٰنُ وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّيَـٰطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحْرَ وَمَآ أُنْزِلَ عَلَى ٱلْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَـٰرُوتَ وَمَـٰرُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ ٱشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلَٰـقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ }

{ وَٱتَّبَعُواْ } ، يعنى اليهود، { مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ } ، يعنى ما تلت الشياطين على عهد سليمان وفى سلطانه، وذلك أن طائفة من الشياطين كتبوا كتاباً فيه سحر، فدفنوه فى مصلى سليمان حين خرج من ملكه، ووضعوه تحت كرسيه، فلما توفي سليمان، استخرجوا الكتاب، فقالوا: إن سليمان تملككم بهذا الكتاب به كانت تجئ الريح، وبه سخرت الشياطين، فعلموه الناس، فأبرأ الله عز وجل منه سليمان، { وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحْرَ } ، فتركت اليهود كتاب الأنبياء واتبعوا ما قالت من السحر، { وَمَآ أُنْزِلَ عَلَى ٱلْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ } ، أى واتبعوا ما أنزل على الملكين، يعنى هاروت وماروت، وكانا من الملائكة مكانهما فى السماء واحد، ثم قال: ببابل، أى وهما ببابل، وإنما سميت بابل؛ لأن الألسن تبلبلت بها حين ألقى إبراهيم صلى الله عليه وسلم فى النار.

ثم قال: { وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ } ، وذلك أن هاروت وماروت يصنعان من السحر الفرقة، { فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا } بعد قولهما: { فَلاَ تَكْفُرْ } إذا وصفا فيتعلمون منهما { مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَزَوْجِهِ } ، والفرقة أن يؤخذ الرجل عن امرأته، يقول الله عز وجل: { وَمَا هُم بِضَآرِّينَ } ، يعنى السحرة، { بِهِ مِنْ أَحَدٍ } ، يعنى بالسحر من أحد، { إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } فى ضره، { وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ } ، فيتعلمون السحر من الشياطين، والفرقة من هاروت وماروت، { وَلاَ يَنفَعُهُمْ }.

ثم قال: { وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ ٱشْتَرَاهُ } ، يقول: لقد علمت اليهود فى التوراة لمن اختار السحر { مَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ } ، يقول: ما له فى الآخرة من نصيب، نظيرها فى براءة قوله سبحانه:فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاَقِكُمْ } [التوبة: 69]، وكقوله:أُوْلَـٰئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ } [آل عمران: 77]، يعنى نصيب، { وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ } ، يقول: باعوا { بِهِ أَنْفُسَهُمْ } من السحر { لَوْ } ، يعنى إن { كَانُواْ يَعْلَمُونَ } [آية: 102]، ولكنهم لا يعلمون.

كان أبو صالح يروي عن الحسن فى قوله تعالى: { وَمَآ أُنْزِلَ عَلَى ٱلْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ } ، قال: وكان هاروت وماروت مطيعين لله عز وجل، هبطا بالسحر ابتلاء من الله لخلقه، وعهد إليهما عهداً أن لا يعلما أحداً سحراً حتى يقولا له مقدمة { إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ } يعني محنة وبلوى { فَلاَ تَكْفُرْ } ، فإذا أبى عليهما إلا تعليم السحر، قالا له: اذهب إلى موضع كذا وكذا، فإنك إذا أتيته وفعلت كذا وكذا، كنت ساحراً.