الرئيسية - التفاسير


* تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) مصنف و مدقق


{ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَٰتِ فَسَوْفَ يَلْقَونَ غَيّاً } * { إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئاً } * { جَنَّاتِ عَدْنٍ ٱلَّتِي وَعَدَ ٱلرَّحْمَـٰنُ عِبَادَهُ بِٱلْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً } * { لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلاَّ سَلاَماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً } * { تِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً } * { وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذٰلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً } * { رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَٱعْبُدْهُ وَٱصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً } * { وَيَقُولُ ٱلإِنسَانُ أَءِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً }

{ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ } ، يعني من بعد النبيين خلف السوء، يعني اليهود، فهذا مثل ضربه الله عز وجل لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، ولا تكونواخلف السوء مثل اليهود، ثم نعتهم، فقال سبحانه: { أَضَاعُواْ ٱلصَّلاَةَ } ، يعني أخروها عن مواقيتها، { وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَاتِ } ، يعني الذين استحلوا تزويج بنت الأخت من الأب، نظيرها في النساء:ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلشَّهَوَاتِ } [النساء: 27]، يعني الزنا، { فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيّاً } [آية: 59] في الآخرة، وهو واد في جهنم.

{ إِلاَّ مَن تَابَ } من الشرك، { وَآمَنَ } بمحمد صلى الله عليه وسلم، يعني وصدق بتوحيد الله عز وجل، { وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ } ، يعني ولا ينقضون { شَيْئاً } [آية: 60] من أعمالهم الحسنة حتى يجازوا بها، فيجزيهم ربهم.

{ جَنَّاتِ عَدْنٍ ٱلَّتِي وَعَدَ ٱلرَّحْمَـٰنُ عِبَادَهُ } المؤمنين على ألسنة الرسل في الدنيا، { بِٱلْغَيْبِ } ولم يروه، { إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً } [آية: 61]، يعني جائياً لا خلف له.

{ لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا } ، يعني في الجنة، { لَغْواً } ، يعني الحلف إذا شربوا الخمر، يعني لا يحلفون كما يحلف أهل الدنيا إذا شربوا، نظيرها في الواقعة، وفى الصافات، ثم قال: { إِلاَّ سَلاَماً } ، يعني سلام الملائكة عليهم فيها، { وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً } [آية: 62]، يعني بالرزق الفاكهة على مقدار طرفي النهار في الدنيا.

ثم أخبر عنهم، فقال سبحانه: { تِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً } [آية: 63]، يعني مخلصاً لله عز وجل.

{ وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ } ، وذلك " أن جبريل، عليه السلام، احتبس على النبي صلى الله عليه وسلم أربعين يوماً، ويقال: ثلاثة أيام، فقال مشركو مكة: قد ودعه ربه وقلاه، فلما نزل جبريل، عليه السلام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " يا جبريل، ما جئت حتى اشتقت إليك " ، قال: وأنا إليك كنت أشد شوقاً " ، ونزل في قولهم:وَٱلضُّحَىٰ وَٱللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ... } [سورة: الضحى } ،أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } [الشرح] جميعاً، وقال جبريل، عليه السلام: { وَمَا نَتَنَزَّلُ } من السماء، { إِلاَّ بأَمْرِ رَبِّكَ } ، { لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا } من أمر الآخرة، { وَمَا خَلْفَنَا } من أمر الدنيا، { وَمَا بَيْنَ ذٰلِكَ } ، يعني ما بين الدنيا والآخرة، يعني ما بين النفختين، { وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً } [آية: 64] لقول كفار مكة: نسيه ربه وقلاه.

يقول: لم ينسك ربك يا محمد، { رَّبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } ، يعني والأرضين، { وَمَا بَيْنَهُمَا } من الخلق، { فَٱعْبُدْهُ } ، يعني فوحده، { وَٱصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ } ، يقول: واصبر على توحيد الله عز وجل ولا تعجل حتى يأتيك أمري، ثم قال للنبي صلى الله عليه وسلم: { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً } [آية: 65]، يقول جل جلاله: هل تعلم من الآلهة من شىء اسمه الله عز وجل؛ لأن الله تعالى ذكره يمنعهم من ذلك.

{ وَيَقُولُ ٱلإِنْسَانُ } ، وهو أبي بن خلف الجمحي: { أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً } [آية: 66] من الأرض بعد الموت، يقول ذلك تكذيباً بالبعث.