الرئيسية - التفاسير


* تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) مصنف و مدقق


{ ذٰلِكَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ ٱلْحَقِّ ٱلَّذِي فِيهِ يَمْتُرُونَ } * { مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ } * { وَإِنَّ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } * { فَٱخْتَلَفَ ٱلأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ } * { أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَـٰكِنِ ٱلظَّالِمُونَ ٱلْيَوْمَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ ٱلأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ ٱلأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ }

يقول الله عز وجل: { ذٰلِكَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ ٱلْحَقِّ } ، يعني هذا عيسى ابن مريم قول العدل، يعني الصدق، { ٱلَّذِي فِيهِ يَمْتُرُونَ } [آية: 34]، يعني الذي فيه يشكون في أمر عيسى صلى الله عليه وسلم، وهم النصارى.

{ مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ } ، يعني عيسى صلى الله عليه وسلم، { سُبْحَانَهُ } ، نزه نفسه عز وجل، { إِذَا قَضَىٰ أَمْراً } كان في علمه، يعني عيسى صلى الله عليه وسلم، { فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ } [آية: 35] مرة واحدة لا يثني القول فيه مرتين.

حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي، عن الهذيل، قال: حدثني مقاتل، عن الضحاك، عن ابن عباس، أنه قال: { كُن فَيَكُونُ } بالفارسية، لا يثني القول مرتين، إذا قال مرة كان.

ثم قال عيسى صلى الله عليه وسلم لبني إسرائيل: { وَإِنَّ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ } ، يعني فوحدوه، { هَـٰذَا } التوحيد، { صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } [آية: 36]، يعني دين الإسلام مستقيم، وغير دين الإسلام أعوج ليس بمستقيم.

{ فَٱخْتَلَفَ ٱلأَحْزَابُ } ، يعني النصارى، { مِن بَيْنِهِمْ } ، تحزبوا في عيسى صلى الله عليه وسلم ثلاث فرق: النسطورية قالوا: عيسى ابن الله،وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً } [الإسراء: 43]، والمار يعقوبية قالوا: عيسى هو الله،سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً } [الإسراء: 43]، والملكانيون قالوا:إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ } [المائدة: 73]، يقول الله: وحده لا شريك له: { فَوْيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ } ، يعني تحزبوا في عيسى صلى الله عليه وسلم، { مِن مَّشْهِدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ } [آية: 37] لديه، يعني يوم القيامة.

{ أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ } ، يقول: هم يوم القيامة أسمع قوم وأبصر بما كانوا فيه من الوعيد وغيره، { يَوْمَ يَأْتُونَنَا } في الآخرة، فذلك قوله سبحانه:رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ } [السجدة: 12]، ثم قال سبحانه: { لَـٰكِنِ ٱلظَّالِمُونَ ٱلْيَوْمَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [آية: 38]، يعني المشركين اليوم في الدنيا في ضلال مبين، فلا يسمعون اليوم، ولا يبصرون ما يكون في الآخرة.

{ وَأَنْذِرْهُمْ } ، يعني كفار مكة، { يَوْمَ ٱلْحَسْرَةِ } ، يوم يذبح الموت كأنه كبش أملح.

حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي، عن الهذيل، عن مقاتل، عن عثمان بن سليم، عن عبد الله بن عباس، أنه قال: يجعل الموت في صورة كبش أملح، فيذبحه جبريل بين الجنة والنار، وهم ينظرون إليه، فيقال لأهل الجنة: خلود فلا موت فيها، ولأهل النار: خلود فلا موت فيها، فلولا ما قضى الله عز وجل على أهل النار من تعمير أرواحهم في أبدانهم لماتوا من الحسرة.

ثم قال سبحانه: { إِذْ قُضِيَ ٱلأَمْرُ } ، يعني إذا قضي العذاب، { وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ } اليوم { وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } [آية: 39]، يعني لا يصدقون بما يكون في الآخرة.

{ إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ ٱلأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا } ، يعني نميتهم ويبقى الرب جل جلاله، ونرث أهل السماء وأهل الأرض، ثم قال سبحانه: { وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } [آية: 40]، يعني في الآخرة بعد الموت.