الرئيسية - التفاسير


* تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ ٱنتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِياً } * { فَٱتَّخَذَتْ مِن دُونِهِم حِجَاباً فَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهَآ رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً } * { قَالَتْ إِنِّيۤ أَعُوذُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً } * { قَالَ إِنَّمَآ أَنَاْ رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلاَماً زَكِيّاً } * { قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً } * { قَالَ كَذٰلِكَ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلْنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً }

{ وَٱذْكُرْ } لأهل مكة، { فِي ٱلْكِتَابِ مَرْيَمَ } ، يعني في القرآن ابنة عمران بن ماثان، ويعقوب بن ماثان، من نسل سليمان بن داود، عليهم السلام، { إِذِ ٱنتَبَذَتْ } ، يعني إذا انفردت، { مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِياً } [آية: 16]، فجلست في المشرقة؛ لأنه كان الشتاء.

{ فَٱتَّخَذَتْ مِن دُونِهِم حِجَاباً } ، يعني جبلاً، فجعلت الجبل بينها وبينهم، فلم يرها أحد منهم، كقوله في ص:حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِٱلْحِجَابِ } [ص: 32]، يعني الجبل، وهو دون ق بمسيرة سنة، والشمس تغرب من ورائه، { فَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهَآ رُوحَنَا } ، يعني جبريل، عليه السلام، { فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً } [آية: 17]، يعني إنساناً سوياً، يعني سوى الخلق، على صور شاب أمرد، جعد الرأس.

فلما رأته حسبته إنساناً، { قَالَتْ إِنِّيۤ أَعُوذُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً } [آية: 18]، يعني مخلصاً لله عز وجل تعبده.

{ قَالَ } جبريل، عليه السلام، { إِنَّمَآ أَنَاْ رَسُولُ رَبِّكِ لاًّهَبَ لَكِ } بأمر الله عز وجل، { غُلاَماً زَكِيّاً } [آية: 19]، يعني مخلصاً، يقول صالحاً.

{ قَالَتْ } مريم: { أَنَّىٰ } من أين { يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ } ، يعني ولم يكن لي زوج، { وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً } [آية: 20]، يعني ولم أركب فاحشة.

{ قَالَ } جبريل، عليه السلام: { كَذٰلِكَ } ، يعني هكذا، { قَالَ رَبُّكَ } إنه يكون لك ولد من غير زوج، { هُوَ عَلَيَّ } ، على الله، { هَيِّنٌ } ، يعني يسير أن يخلق في بطنك ولداً من غير بشر، { وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً } ، يقول: ولكي نجعله عبرة، { لِّلْنَّاسِ } ، يعني في بني إسرائيل، { وَرَحْمَةً } ، يعني ونعمة، { مِّنَّا } لمن تبعه على دينه، مثل قوله سبحانه:وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } [الأنبياء: 107]، يعني بالرحمة النعمة لمن اتبعه على دينه، { وَكَانَ } عيسى صلى الله عليه وسلم من غير بشر، { أَمْراً مَّقْضِيّاً } [آية: 21]، قد قضى الله عز وجل في اللوح المحفوظ أنه كائن لا بد.